مقال بريالين والآخر مجانا
بقلم : أ / عبدالله بن محمد عسيري *
من المسلمات ان الكاتب اياً كان توجهه ولأي كفّة تميل توجهاته يفترض ان تكون أطروحاته بمقالاته المنشورة للعامة , أو تغريداته للخاصة , أن تعكس واقع حال ليس بالضرورة أن يكون الكاتب قد تعايش معها , وليس بالضرورة ان يكتب من واقع تجربة شخصية , بقدر ما تستوجب أمانة القلم ومسئولية الكلمة أن تكون تلك الأطروحات مستوحاة من واقع يعيشه المجتمع وأن تصب في خدمة الصالح العام , ومن الضرورة أن تلامس هموم الناس الحياتية ومشكلاتهم الاجتماعية , وما عدى ذلك فإن الأفكار المطروحة لعامة الناس , لا تتجاوز عن كونها ترجمة فكر آحادي , لا يعبر عن راي الجماعة باي حال من الأحوال , لا يفضي الي تنوير المجتمع أو ملامسة واقعه ولا محاكاة لهمومه .
إن المتمعن بحال بعض من نصبّوا انفسهم كُتاب أو الصقوا أمام أسمائهم عنوة لقب كاتب او وصف مثقف واديب أو حتى إعلامي .
لا يجد المتابع فيما يكتبون أكثر من هرطقة لا تخدم الا مصالح خاصة ولا تتجاوز اهتمامات فئة محدودة بمحيط دائرة ضيقة تحيط بالكاتب , ونجد البعض من تلك الكتابات تعكس خيال كسيح واضمحلال فكري ,
ويلجأ البعض للأسف بالإيحاء للقارئ بأنه فارس زمانه وأنه ( اي الكاتب ) يحمل مشعل تنوير , وأنه يقود المجتمع للتحرر من ومن ومن ...( وبالنهاية أوهام ) !!!!!!!
ولذلك يقدم نفسه أنه فارس مغوار يخوض حربا ضروس لتغيير واقع لا يراه سوى نظره الثاقب ويدعي المطالبة بتصحيح أوضاع لم يجمع المجتمع على وجودها بشواهد ملموسة وبأدلة حسيّة .
ومن فرط الوهم الذي يعيشه اولئك الكتاتيب إن جاز التعبير فإن البعض يخلق لنفسه المريضة بالوهم , حربا وهمية في ميادين كرتونية ابطالها من نسج خياله فطبلّ لنفسه ورقص وحيداً معتقداً أن الجمع يرقص احتفاءً به .
ولا يمانع البعض من ارتداء جلباب الفضيلة واعضاً , وللامة مناصحاً , ومن عظائم الأمور محذراً , فيوزع الشتائم والتشكيك بالمجان يمنةً ويسرةً لمن يعتقد أنهم يقودون المجتمع للخروج عن ثوابت العقيدة , ونجدهم في تارةٍ أخرى يشتمون من يعتقدون أنهم دعاة تغريب لسلخ المجتمع عن عاداته وتقاليده , محذرين من وقوع المجتمع في فخ التفسخ والانحلال , هاجسهم الوحيد البروز باي ثمن ولو كان الثمن بخساً في سوق ( الخنّاسة ) للأقلام المعوّجةِ .
هذه الحالة من هيستيريا النقد المحموم تذكرنا بمحلات أبو ريالين التي غزت اسواقنا بكثرة وانتشرت كانتشار النار في الهشيم فتجد في هذه المحلات كل شيء متاح با بخس الأثمان ولكنها في النهاية تجدها سلعة رديئة .
وهذه الموجة من المقالات ينطبق عليها القول الشائع ( لا طعم ولا لون ) إلا أننا نشتم من بعضها رائحة تزكم الأنوف تفوح بالحقد وتشجع على الكراهية وتؤلب بشكل غير مسبوق .
ولو أسلمنا جدلا بوجود مكامن للخلل في مرافق او خدمات حكومية هنا وهناك ولو أسلمنا جدلا تهاون وتقاعس من بعض مسؤوليينا الكرام , فان إلقاء التهم وتأجيج المشاعر وانتقاء عنتريات لفضية ,لن يغير قواعد واساسيات برتوكول إداري بقدر ما يكون للكلمة الحسنة والنقد الهادف البناء من وقع إيجابي , إذا ما علمنا سلفا أن مكاييل النقد لديهم تعمم ولا تخص .
واذا ما قدّر لهذه الموجة من الانفعالات ( الأقرب للغوغائية ) ان تستمر فلن نتفاجأ في المنظور القريب بتفصيل مقالات من فئة ابو ريالين ( حسب الطلب ) تطال شتائمها كل ( مقاعد ) المسؤولين السابقين والحاليين وحتى بعض الميتين .
ولا مانع من تطعيم المقالات والخواطر والتغريدات وحتى الهمسات والومضات والغمزات واللمزات أيضاً ببعض العبارات السوقية والشوارعية لإرضاء غرور النفس الأمارة بالسوء , دونما اعتبار لما يسمى الذوق العام وغير عابئين باحترام عقلية القارئ .
وسيقدم لنا إعلاميونا الجدد وكتابنا الأشاوس رواد التكنلوجيا الحديثة وعصر المعلومات دروسا آنية في ثقافة فن النقد والتعامل مع الخبر وكيفية محاكاة المسؤولين , ومواعظ في احترام المبادئ والقيم السامية لشرف المهنة , بينما هم يمارسون طقوس وتقاليد تمكن البعض من توجيه النقد وتوزيع التهم جزافاً وعن ضلالة من خلف ستار ( البرقع أو النقاب ) لإخفاء شخصياتهم الحقيقية , في تجسيدهم لمفهوم حرية التعبير عن الراي والدفاع عن مواقفهم النبيلة .
ولن نتفاجأ إن وجدنا يوماً في سوق ( الخنّاسة ) إعلان يروّج للكتابات ( كسلعة ) اشتر بريالين مقالا بالاسم الصريح واحصل مجانا على تعليق ( مبرقع أو بنقاب ) .
وإنا لمنتظرون .
* كاتب وإعلامي