فأصيح بالخليج.. يا خليج!
بقلم : الدكتور / سمير الضامر *
منذ القرن السادس عشر الميلادي تقريباً وحركات الرصد الاستشرافي والاستخباراتي لمنطقة الخليج تعمل، وتؤسس لرؤية تستشرف تاريخاً للمنطقة العربية لما بعد القرن العشرين، ولذلك فلا نستغرب ما تمر به المنطقة منذ أكثر من ثلاثة قرون في محاولة للنهضة والإصلاح لكنها تبوء بالفشل.
من يقرأ تاريخ منطقة الخليج بشقيه العربي والفارسي، سيدهش بتلك الكتابات التي نشرت وهي في غالبها رحلات، واستكشافات، ورصد تحليلي واستخباراتي للمؤسسة الاستعمارية البرتغالية ثم الهولندية ثم الانجليزية والعثمانية، وليس للخطاب العربي أي منظومة تدوينية مقابلة لما أنتجته الاستعمارات المتتالية على المنطقة، فالعرب كانوا غارقين في الحروب والبحث عن التحالفات مع القوى الكبرى من أجل السلطة والنفوذ.
إن من يقرأ ما كتبه الرحالة والمستعمرون عن منطقة الخليج ستهاله تلك الدقة المتناهية في الرصد التاريخي وتتبع الحوادث السياسية، ورسم الصورة الجغرافية للمنطقة، وتوثيق للحركات الشعبية والقبائلية والقرصنة بكل أسماء شخصياتها وأبطالها، وهذا يعطيك مؤشراً خطيراً ومهماً وهو: أن الهيمنة الغربية المعاصرة ليست وليدة العقود المتأخرة، ولكنها وريثة لتلك المؤسسات الاستعمارية، ولذلك فهم استفادوا من تلك التقارير والبحوث والكتابات في معرفة طبيعة هذه المنطقة وتوجهاتها الاجتماعية والسياسية، وظلت التقارير لديهم بمثابة خطة طريق للهيمنة الثقافية وليس السياسية فحسب، لا أحد ينكر أن السبعينيات الميلادية من القرن العشرين كانت نهايةً للهيمنة الإنجليزية على بعض مناطق الخليج، ولكنها كانت بمثابة فتح صفحة جديدة لتأسيس عالم سيأتي مع تكنولوجيا المعلومات وهو عالم العولمة.
إن الأرقام، والرحلات، والتواريخ التي يملكها الغربيون -والذي ظهر منها ربما لا يزيد عن العشر مما لم يظهر- ليست مخفية، وإنما هي موجودة في خزائن المكتبات ومراكز الأبحاث في الهند، وتركيا، وبريطانيا، وعموم أوروبا. ومع الأسف لم نجد في مراكز البحث العلمي والمؤسساتي الحكومية والخاصة ذلك الشغف والحرص الذي كان لدى الآخر في محاولة تتبعنا ، ودراسة أحواله وطبيعته في مختلف التوجهات. النوايا الطيبة تجاه الآخر لا تصنع حضارة، ولا تصنع نهضة لاسيما أن عجلة الآخر لم تقف في دراستنا بوصفنا عرباً بعيديد كل البعد عن مواطن الرؤية والتنمية الذاتية والعمومية.
هذه الخواطر هي التي كانت تتمثل أمامي وأنا أتابع هذا الفشل الذريع في العالم العربي، وحتى ما يسمى بالربيع العربي فإن هناك ما يعوقه، والسبب واضح وضوح الشمس، أن العرب يملكون التاريخ ولكنهم لا يملكون الأرقام، ولا يملكون المؤسسات القيادية المستقلة التي تدفع بالشارع وبالحكومات إلى حركة تصحيحية ونهضوية، ولذلك فإن الشعوب والقيادات في الخليج العربي لا يمكن لها أن تقف موقف المتفرج مما يحدث، الخليج بحاجة إلى اتحاد كامل، ولكن شريطة أن تُعزز الرؤية الاستراتيجية والثقافية والاجتماعية والسياسية بترسانة من المعلومات والمعرفة والمراكز المتخصصة، فمراكز لدراسة الشرق كإيران وما بعدها، وأخرى لدراسة الغرب، ولا أظن أن دول الخليج عاجزة عن تحقيق هذا المطلب ليعزز من تماسكها الوجودي والثقافي، وحقها الإنساني والشعبي في القوة وصناعة المستقبل المشرق.
* كاتب وباحث في الدراسات النقدية, ومهتم بانثربولوجيا الفنون