وآه أسفِي عَلى أيَامٍ مَضت
بقلم / ساره الحملي *
لِذلك الطريق شَيخٌ قَد رسَمت له السُنون المَاضية تَجاعيدُ وَجه قَاسية ، يئنُ مِراراً بعَالي صَوته المُنهك ، وتَارة أخرى يُتمتِم بِعباراتٍ خَفيه لَم أكن افهَمها . وَبينَ هذه وتِلك يقول ؛ ( وآه أسفِي عَلى أيَامٍ مَضت ) . دَنوت مِنه حتى اتضَح لي هَمسه ليقول : وآ شوقَاه ، وآ شوقَاه قلتُ : جَدي تُردد على مسامعيّ آسفاً على أيامٍ لو سَمعت صوت حُزنك لعَادت شوقاً لغريبٍ دمعت لك عيناه !
هل لك أن تُخبرني ما فعلت لِتقسوا دنياك ؟ كَانت ابتسامته الأولى مُذ رأيته تَكلمَ بصوتٍ عَالي ليجمَع أولئك المَارة بِحديثٍ قد لا يسمَح له مر الزَمن أن يُعيده مَرة أخرى فقَال : يَحدثُ أن ذلك الذي نَعته بالغَريب للتو قد اشتَاق لنَا منذُ أمَدٍ بَعيد ، ويَالطُهر دَمع اشتِيَاقه ، قد واترتَ وجنتيهِ بِرفقٍ تحملُ لناَ گل معانيِ صدقِ قلبِه , وخوفاً من ان تنهكنا الذنوبُ فتتجلّىَ رؤيتُهُ عنّا .
وقفَ المارة يستمعونَ حديثَهُ المبحوحَ بِشغفٍ كبير ، الكل ينحنيّ ليسمعَ هتيفَ صوتِه ! حتى أحاطوا بِه وتركواَ ما أتواّ لهُ شوقاً أن يسمعواَ عن شخصِ اشتاقَ لهم ولمَ يخلقواَ بعد !
ابتسمَ الجدُّ لأعينهم ابتسامةً أخرى وأكمَل بأن : وصفكمُ بإخوانه , ذاك الرسولِ المبينّ , صعدَ السماءَ لأجلكم , قرأَ القرانَ لِأجلكم , حاربَ كافرٍ متغطرسَ لأجلكم , مكثَ تحتَ الكهوفِ ونامَ على الترابِ لأجلكم .
توقّفَ الشيخُ الكبيرَ وابتسمَ وقال : أخبروني , هل أكمل ؟
هتفَ المارّة : بأنّ يا شيخناَ أكمل . .
أكملَ الجدًّ وغرّدَت منه ابتسامةً ثالثة تقول : دينٌ تربّى تحتَ رسولٍ حليمّ , تكملُ كل الصفاتِ به ، مستغفرٌ ، تائبٌ رغمَ غفرانِ الرب لكل ذنبٍ تقدّم أو تأخر , تواترَت سنته , رُفعَ من شأنهِ رغمَ محاولاتِ التشويهِ الباطل العاطل , وصفوهُ بالجنون !وهوَ عطوفٌ حنون ، قالوا لسانَ شاعر وهوَ نبيٌّ منبأٌ سائر , أحبكم يا معشرَ المسلمينَ قبلَ تأتوا واستثنى أصحابُه , من ساعدوه وعانقوه , وبكل الاحترامِ بادلوه ، نزلتَ دمعةٌ ثائرةً عنفوا نيتها بأبجديةِ الصمت ,وقال : أخبروني , من منكم مشتاق له الآنْ ؟
هتفَ المستمعينَ وا شوقاه وا شوقاه
تمددْ رأسُ الجدُّ الكبيرِ بارتياحٍ على رأسِ عصاه حتى سقطتّ , وانجلت روحه نحوَ السماء بعدْ أن اطلقَ صرخة اشتياقٍ , ردد صداهاَ بعدُ الكثير .
* كاتبة