[CENTER][COLOR=#050500][B][SIZE=5][FONT=Arial]
[COLOR=#001CFF][SIZE=7] وِقفةٌ بين عامين [/SIZE]
[/COLOR]
[RIGHT][COLOR=#FF2600]* بقلم الدكتور / بلال كمال رشيد [/COLOR]
[/RIGHT]
[JUSTIFY]
عليكَ أن تقف مُودعاً ومُرحباً : مُودعاً عامك الذي انصرم ، ومُرحباً بعامك الذي قدم ، ولكَ أن تسأل وأنتَ بينهما : لمن تفرح ؟ ولمن تغضب وتبكي ؟
ستختلف اجابتك عن اجابتي ، لأن عامك يختلف عن عامي ، لأن حَمْلكَ يختلف عن حملي ،وحُلمك لا يُقارب حُلمي ، لأن فكركَ يُخالف فكري ، وما مضى من عمرك لا يشابه ولا يوازي ما مضى من عمري ، فكيف نلتقي الآن على مفرقٍ واحدٍ : مُرحبيْن ومُودعيْن ؟؟!!
هو ذا العامُ ينصرمُ عني وعنك ، فكيف وبماذا ينصرم ؟؟ على أيِّ حالٍ رَحَلَ ؟؟ ماذا أخذ مني ؟؟ وماذا ترك لك ؟؟
هو ذا العامُ يمضي ، وهو جزءٌ منك ومني ، نعرفه ، نخبره ، حملناه خِفافاً و ثِقالاً، أَخَذَ منا ما أخذ ، وترك فينا ما ترك ، كَاننا وكُناهُ ، فكيف نُودعه ؟؟ بدمعِ فرحٍ أم بدمعِ ترحٍ ؟؟
ما كان الوداعُ إلا رديفاً للألمِ ، والوجعِ ، وبفيضٍ وغيضٍ من البُكاءِ ، فكيف
- اليوم- نقفُ مودعين بهذا الفيضِ من الفرحِ والابتهاج ؟؟!!
ألم نقفْ ذاتَ عامٍ كما نقفُ الآن ؟؟؟!!
ووقفنا مثلها وِقفاتٍ ووقفاتٍ منذ أن كان لنا عقلٌ وبصرٌ؛ لنفكر ونتدبر ، وها نحنُ نقفُ وِقفةً أخرى ؛ ليُباغتنا السؤالُ نفسهُ ، ونعود لوِقفتنا نفسِها حائريْن ومتسائليْن : ماذا نودع ؟ وماذا نستقبل ؟
في ذاتِ عامٍ وقفنا ، وودعنا عامنا المُنصرمَ الذي عرفناهُ وخبرناه بكلِّ فرحٍ وبلا أسف ، ورحبْنا بعامنا الجديد الغريب المجهول الذي يأتينا بكلِّ ما لانعرف ، رحبنا به ، وهللنا له ، وتركناه يعْبثُ ويبْعثُ بنا ولنا ، من الأحلام والأماني ، ويخطُّ سطوره فينا ، وأخذ منا ما أخذ ، وترك فينا ما ترك ، حتى انتهى بنا ، وانتهينا
إليه ؛ لنودعه كما ودعنا أخاه قبل عام ، وانتهينا إلى الوِقفةِ نفسها ، فماذا تُودعُ وماذا تستقبل ؟؟؟؟؟
عامٌ هو ، شهورٌ ، أيامٌ ، ساعاتٌ ، دقائقُ ، ثوانٍ ، زمنٌ يمضي فيك وفيَّ ، ماضٍ فيَّ وفيك وفي غيرنا ، ماضٍ هو وحاضرٌ ومستقبَلٌ ، فلا تُودعُ ولا تستقبلُ إلا شيئاً فيك ومنك ، لنْ يتغيرَ شيءٌ ما لمْ تتغيرْ ، لنْ تجدَ الحياةَ حياةً إلا بِعُسْرِها ويُسْرِها ، بشروقِ شمسها وغروبها ، هي هكذا الحياةُ تسير ، فكنْ فيها فاعلاً ، ولتكنْ أفعالُك كُلُّها مبنيةً لك للمعلومِ ، محمودةً وتشهد لك لا عليك ، لِنقفْ الآنَ متسائلين : ماذا قدمنا ؟؟
ليكنْ فرحُنا أو دمعُنا على ما اجترحنا من أقوالٍ وأعمال ، لتكنْ وِقفتُنا أسئلةَ تفكرٍ وتدبرٍ ، عِبْرةً مما مضى ، وعملاً وجِداً فيما سيأتي ، العامُ الماضي هو أنا وأنت ، والعامُ القادمُ لمن يحيا ، ويعيشُ ،ويعملُ ، ويتغيرُ ، ويتقدمُ .
ها نحن نقف الآن مودعين عاماً مضى ، وأحبةً مضوا ،وذكرياتٍ رحلتْ ، وها نحنُ نستقبلُ أفكاراً وأحلاماً وأمانيَّ تتعدد ، ها نحن نلتقي على العام الماضي مودعين ، وسنودع العامَ القادمَ يوماً ، سيأخذ منا ويترك فينا ، و ربما يأخذك أو يأخذني ، سيكون لكلٍّ منّا عامُ الرحيل ، سَنَرحَلُ مهما اتفقنا ومهما اختلفنا ، سَنَرحَلُ مِثلما يَرْحلُ العامُ منّا ، فهلا تركنا ما يشهدُ لنا ، ويجعلنا أحياءَ رغم الرحيل!!!!!!!!!
[/JUSTIFY]
[RIGHT][COLOR=#FF1700]* كاتب وناقد أدبي ـ أستاذ مساعد في الأدب العربي الحديث ونقده [/COLOR]
[/RIGHT]
[/FONT][/SIZE][/B][/COLOR][/CENTER]