[JUSTIFY][COLOR=#010100][SIZE=5][FONT=Arial]
[CENTER][SIZE=7][COLOR=#080A80] الفضيحة والنصيحة [/COLOR][/SIZE]
[/CENTER]
[COLOR=#6F1809]بقلم الشيخ / منصور السويدان * [/COLOR]
روى الإمام مسلمٌ في صحيحه من حديث تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ، قال : لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
هذا حديث عظيم ، وقد كان أهل العلم يعظمون شأن هذا الحديث فالنصيحة في الدين أمرها عظيمٌ فهي عماد الدين وقِوامهُ ، وكان الصحابةُ رضوان الله عليهم لا يَدَعونَ النصيحةَ لجميع المسلمين ، فالنصيحةُ من علاماتِ الأخوةِّ الصادقةِ ولقد بايع النبي أصحابهُ على النصح لجميع المسلمين ، وقد أرسل الله تعالى رسله الكرام ليكونوا ناصحين لأقوامهم ، قال تعالى عن نوح عليه السلام : أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون وقال تعالى عن هود عليه السلام : وأنا لكم ناصح أمين وقال تعالى عن صالح عليه السلام : ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين .
والنصيحة من حق المسلم على أخيه المسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم على المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه ".
كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يتناصحون فيما بينهم ويقبلون النصيحة ولو كان الناصح دونهم في السن أو العلم أو الجاه وحذروا من رد النصيحة ، قال ابن مسعود في تفسير قوله تعالى : وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم . هو الرجل ينصح أخاه فيقول : [عليك نفسك] ,
لا بد من الرفقِ والرحمةِ والحكمةِ في النصيحة ، فمن أراد أن ينصح أخاه فليترفق به وليرحمه، ولتكن نصيحته له مبنيةٌ على الحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ ، " والرفق ما كان في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه " كما قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله .
فلا يجوز في النصيحةِ التعنيفَ والشِدّةَ والغِلظة ، فلن يقبل منك أحدٌ إذا اشتددت عليه وأغلظت له وعنفته ، وأن لا يكون القَصْدُ من النصيحةِ الظهور والغلبةٌ على المنصوح له بل فليكن قصدك ردهُ إلى الحقِ والهدى وإصلاحِ ما أفسد ، فإن كان قصدك الظهور والغلبة فأبشر بالخسارة . ولا بد أن تكون النصيحة سراً قال بعض السلف : من نصح أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن نصحه علانية فقد فضحه وشانه.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التعيير لا أرضى استماعه
إن مما يؤسف له في هذا الزمان أن كثيرا من الناس يحبون الفضيحة ولا يبدون النصيحة فإذا سمعوا فضيحة عن رجل أو أنه وقع في معصية بينه وبين الله انصتوا لها وتلذذوا بسماعها وتناقلوها في كل مجلس يحبون فضائح الناس وعوراتهم ولا يعلمون أن من تتبع عورة امرئ تتبع الله عورته
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ:" يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ .
إن من أجمل صفات المؤمن إذا رأى من أخيه المسلم أنه وقع في معصية أن يبادر بنصيحته بالحسنى وأن يستر عليه ولا يشهر به أو يعيره فكم من إنسان عير أخاه المسلم بمعاصيه وعيوبه فابتلاه الله بما هو أشد منها ، فانظر إلى عيوبك وأخطائك قبل عيوب الناس .
لما ترك الناس النصيحة فشت فيهم الغيبة فصاروا إذا رأى أحدهم عيباً في أخيه لم ينصحه في وجهه بل فضحه به في غيابه والغيبة من كبائر الذنوب . قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة .
[COLOR=#6F1809] * تربوي وإمام وخطيب .[/COLOR]
[/FONT][/SIZE][/COLOR][/JUSTIFY]