سيّدةُ النّساء
بقلم / أ. خولة سامي سليقة *
قادتني المصادفة إلى الجلوس قربهنّ ،ثلاث معلّمات باعدت بينهنّ الأيام و جئن مثلي لحضور إحدى الفعاليات في مدرسة، و كنت راغبة حقّا في الاستماع إلى المتحدّث و الاستفادة مما يقوله لكنّ حديثهنّ المتواصل حرمني من المتابعة ،و سألت إحداهن الأخرى
عن أوضاعها في مدرستها الجديدة و كيف تستطيع أن تسيطر على المتعلمين و قد عُرف عن تلك المنطقة صعوبة التعامل مع أبنائها و تمرّدهم ،فأجابتها الأخرى بابتسامة الواثق أنها تسيطر على الوضع بعد أن عرفت كلمة السّر ، و كانت لفظة السّر وحدها كفيلة بأن تنقلني من مرحلة الاستماع مكرهة إلى الفضول لمعرفة اكتشافها الجديد ،و لما سألتها الأخرى عما تعنيهِ قالت : كلما أزعجني أحدهم أو أساء السلوك ،أهدده بأن أخبر المتعلمين الآخرين عن اسم أمّه فيصرخ راجيا إياي السكوت و يمشي بعدها كالألف و على صراط مستقيم !
عقدت الدهشة لساني ، و استذكرت خلال ثوانٍ ذلك الطفل في الصف الأول الذي أرسلت أمه إليّ رسالة عبر الجوال يوما ،تقول فيها : ( رفض ابني كتابة الواجب رغم كل محاولاتي في الضغط عليه ، حتى أني ضربته و لكنه لم يكتب .. ساعديني على هذا البدوي الصغير ) ، و كنت قد وزّعت على المتعلمين ورقة عمل كتطبيق على الأصوات القصيرة و المدود و فيها شجرة تحمل تفاحات كثيرة و على المتعلم أن يكتب فيها أسماء أفراد عائلته ، في اليوم التالي لم أقل للصبي شيئا ،بل اقترحت عليهم أن أحدثهم عن صحابيات جليلات كنسيبة بنت كعب رضي الله عنها و عن أمهات المؤمنين اللواتي عرفناهن بأسمائهن ، كيف فخر البعض بأمه كأن يقول أنا ابن هند ،ثم سألتهم ما اسمي ؟فأجابوني ، قلت : من أمه معلمة؟ فرفع البعض أصابعهم و كان ذلك الصبي من بينهم ،فقلت هل ينادون أمهاتكم في المدرسة أم فلان أم ( المعلمة فلانة ) ؟؟؟
بنيّ اسم أمي تاجٌ على رأسي و شرف لي ،ثم قمت بتوزيع الورقة نفسها على المتعلمين فأبصرت الصبيّ يومئ إليّ أنه يريد شيئا ،فاقتربت منه فهمس في أذني أنه يريد مساعدتي في كتابة الأسماء و لكن بصوت منخفض لئلا يسمعه رفاقه ، انزوى على طرف الطاولة منبطحا بجسده فوق الورقة مثل خيمة ،و غالبت ابتسامتي و ساعدته في تهجئة اسم أمه و أسماء أخواته .
أقرّ أني هنا لست في معرض الحديث عن عادات أو موروث عمرهُ أضعافُ عمري ،لكنّي كلّما بحثت عمّن يشدّ المرأة إلى الخلف خطواتٍ و خطوات ،وجدته امرأة أيضا !!
* كاتبة وشاعرة