أنا البحر
"سعادة القطرة في أن تموت بقلب النهر" .
عندما قرأت هذه المقولة للإمام الغزالي لم أفهمها جيداً ، ولكنني شعرت بأنها قريبة مني إلى حد بعيد، أقفلت الكتاب وجلست أفكر في ما وراء الكلام ، علنّي أصل إلى مقصد تلك العبارة ، قلت في نفسي : علّه يقصد أولئك المنساقون خلف فكرة معينة، اللاهثون وراء حلم وردي لا يراه سواهم ، والذين لا يدركون في ذلك حتفهم بينما يلوموهم الآخرون ولا مجيب، ورب حتف امرئ فيما تمنى.
نفضت رأسي ، لابد وأن للعبارة معنى أكثر عمقاً وأشد شبهاً بي ، أنا القطرة الهاربة ، الباحثة عن السعادة أنا الفراشة الحائمة حول النار فرحا ، وفي النار حتفها ، أين أتجه كي لا أجف ، الى أين أعود كي لا أتبخر ؟
قلت: ربما قصد بأن السعادة تختلف من شخص لآخر باختلاف بيئته وحجم طموحاته، فتحقيق حلمي أنا لا يجلب السعادة لشخص آخر ، وتحقيقك لحلمك أنت لا يمنحني الشعور بالرضا عن ذاتي ، إذا فالنهر معدننا وطينتنا ومادة أحلامنا ، ولكل منا نهر مختلف يجري في مكان ما ..
شعرت بالخواء ، الفكرة بعيدة تماماً ، حتماً ليس ذلك مقصده ، فقد يكون قصده بأن المغترب لن يجد طعم السعادة حقاً إلا إذا عاد إلى وطنه فأكل من خيره وسبر مراتع الطفولة مرة أخرى وتمتع بصحبة الأهل والأصدقاء ، ذلك هو النهر الحلم ، حتى يموت فيه تغمره السعادة؛ كيف يجتمع لفظ السعادة والموت معا ؟
إذاً ، فلعله كان يقصد فلسلفة مغايرة لمعنى الموت ، فالموت لا يعني فعلا انتهاء الحياة ، وإنما بداية النهاية، خط البداية إلى عوالم أكثر عمقا وشفافية..
أياً كان مقصده ، إنها عبارة تشبهني ، تتفق مع نزعة الخلود في داخلي ، وتهبني بارقة أمل ، أنا في أشد الحاجة إليها ،
الآن أفهم معناها ، سأتوقف عن كوني القطرة ، وأكون أنا البحر الذي يجمع أجزائه المتناثرة ، و يلملم شتاته وأحلامه وبنات أفكاره ثم يتدفق غزيرا بحب نحو غد أفضل ، أنا البحر لا القطرة ..
كان عليه أن أغير زاوية تفكيري كي أفهم أكثر ، وأدرك ما وراء الكلمات .
*كاتبة وروائية ، إعلامية ومدربة في تطوير الذات والتنمية البشرية