عيدٌ بلا وطن
هكذا ظلّت تصنّف نفسها ( جيل الورق ) ،حين كانت تجد متعة مفقودة في كتابة الرسائل على الأوراق الملونة في زمن ما عاد يعرف معظم أبنائه سرّ الرائحة المخبوءة في الورق ،معنى مكتب البريد أو موزّع البريد و الفرح ،لهفة المنتظرين خلف النوافذ لقدومه ،اجتماع أهل الحي لقراءة الرسائل عند أحدهم ممن عُرف بتمكنه من القراءة بلغة أو أكثر ،ثم انهيال التهنئة على من وصله البريد المرتقب من غائبٍ حبيب .
كانت آخر رسائلها إليّ منذ عام أو أكثر ،إذ فتحت الظّرف و حرقة شديدة تسابق أناملي محاولة دفع الزمن قدما أو خلفا ... ما كان ذا أهمية ،لكن القلق حاضر في كليهما ، في آخر رسالة وصلتني منها بدا كلّ شيء كما في الماضي ، غير أني رحت ألتقط مواجع العيد في كلماتها المرصوفة متخيلة الحبر العالق على خطوط أصابعها تفركه قليلا و تتأمل الغريق المدّد على السطور أمام دمعها ، جبُنت و ما كنت لأجرؤ على سؤال نفسي عن مصدر هذا الحزن الجاثم ، على بوابة العين و القلب و الحروف لعلّه العيد ، لا بل إنهُ العيدُ ..!
يأتي لينبش التراب بلا رحمة يريد لنا فرحا و حزنا ، و أيّة أعياد و المسافاتُ تطول تطولُ و يغدو الوطن خطّا يعبرُ الذاكرة الملتهبة فيزيد المكانُ احتراقا و لا يحترق .
لعلّه الفجرُ إذ يحمل التكبيرات رعودا تهزّ جنبات القلب ،يهطل مطر حبيس الزوايا و تغرق الدروب الموصلة إلى الروح ..إلى العين .. إلى ستائر الشفاه ، حين تغوص الابتسامات في طيات وجوه الكبار ،و تنغرس شجيرات ورد على خدود الصغار ،يمتد النهار ليلف المساء و الليل و الوقت برمّته فلا شيء يعلو القسمات إلا فرحا .
أين مضى العيد ؟؟ من سرق اسمه ؟
كل من مروا سألتهم ... قالوا : مع الأجراس راح ، مع الأشجار راح ، مع الأطفال راح ،مع الزغاريد راح ، مع الأمهات راح ، و ظلّت الأجساد مكسوّة بالبياض فوق الأرض و تحت التراب ترقب عيدا سيأتي و لا يأتي ،أصبحت الكثير من الكلمات
تثير الزوابع المستكينة ،توقظ شيئا يدّعي النّوم و لا يتذوّقه ، حتى الأهداب المثقلة بالشتاء ما عادت تغفو ،و مرود العيون الكحيلة جفّ فرحه خلف الخزانة ،لا زينة، لا أعراس ، لا زهر يفوح ،و العيد سيأتي و لا يأتي ...
من زجّ العيد إذاً في الزنزانة ؟!
* كاتبة وشاعرة