أسس التربية في القرآن الكريم
بقلم / د. أيمن أبومصطفى *
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فإن للتربية السليمة القويمة أهمية ودورا في بناء المجتمعات ، فأي أمة تستهين بتربية أبنائها تكون كمن يحفر قبره بيده ، ولذا وجدنا القرآن الكريم يرسم لنا طريقا قويما في التربية نستطيع أن نتلمسه خلال آيات القرآن الكريم ، وسنقف على هذا المنهج خلال هذا المقال ، سائلين الله تعالى التوفيق والسداد.
هناك عتبات لابد وأن يرتقيها المربي خلال رسالته السامية في التربية ، سنقف عليها فيما يلي:
- العتبة الأولى: الإخلاص وتحديد الهدف:
فالإخلاص وتحديد الهدف شرطان لنجاح أية مشروع نهضوي ، ولذا وجدنا هذه العتبة يمر بها المرسلون من الأنبياء ، فسورة الأعراف عرضت علينا نماذج من دعوة الأنبياء كلها بدأت بتحديد الهدف والإخلاص فيه "يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره".
فكيف يكون الإخلاص في التربية ؟
يكون ذلك بالنية الصادقة في أن هذا المولود سيكون عبدا صالحا داعيا إلى الله أيا كان نوعه :ذكرا أم أنثى ،ويكون لك هدف قبل أن تبشر بالحمل وأثناء الحمل ، وسنقف على ما يؤكد ذلك من القرآن الكريم.
سيدنا زكريا عليه السلام حينما دعا الله أن يرزقه ولدا ، كان في سن الشيخوخة ، وهو يعلم أن استمتاعه بالولد لن يكون طويلا لكن له هدفا آخر ، بينته الآية "فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ..".فهو يريد وارثا يحمل من بعده شرف الدعوة ومهمة التبليغ، ولا يريده لمجرد المتعة والحسب والنسب ولعل ذلك هو السبب في تقديمه الدعاء بوصف الحال"إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ".
هذه هي النية الصادقة قبل أن يحدث الحمل ، فهل هذه هي نيتك أيها القارئ الحبيب وأيتها الأخت المصونة؟
وأما إن بُشر بالحمل وبشرت بالحمل فهنا ينبغي تجديد النية وإخلاص القصد لله تعالى ، فامرأة عمران قالت "رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم"وتخيرت هذين الاسمين "السميع"لأن نيتها كان تلفظا وهي تريد أن تؤكد صدق نيتها ، و"العليم" لتبين أنها حينما تحدث فإنها تحدث عليما بصدق النوايا فلن تتراجع فيما قصدت.
وحينما وضعتها – وكانت تريد المولود ولدا ليكون أقدر على خدمة بيت المقدس ولأن سدنة بيت المقدس لم يكونوا يقبلون غير الذكور للخدمة – قالت "رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى " أي في قبول الخدمة ، ورغم ذلك ما فقدت النية والقصد بل جددت العزم ، وسألت الله الحفظ لابنتها وليس فقط للابنة بل لذريتها "وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" إنها تعرف عدوها وتعرف غايتها وليس المهم نوع الوسيلة وإنما المهم تحقيق الغاية ، ولعلنا نلحظ الهدف والغاية في اختيار الاسم نفسه ، فمريم علم أعجمي يعني بالعبرانية "العابدة والخادمة" فما أجمل أن تحسن اختيار الاسم ! ويكون للاسم معنى وهدف وغاية!
بذلك نكون قد وقفنا على العتبة الأولى من عتبات القرآن الكريم في التربية فإلى لقاء قريب بإذن الله مع العتبة الثانية.
إلى أن نلتقي أترككم في رعاية الله وحفظه.
* دكتوراه في النقد والبلاغة
1 ping