هكذا يثق الأعمى بالظلام
بقلم / د. نادية الخالدي
تُرى ماذا لو طرحنا على أنفسنا سؤال بسيط عن مفهومين نعرفهما جيدا هما الظلمة والنور ؟ تُرى هل الظلمة هي السواد كما علمونا أو النور هو الشعاع المضي كما تعلمنا ؟
سؤال أشغلني عندما وجدت أن الظلمة قد تكون نور ساطع ، وأن النور قد يكون ظلام دامس ولا يخضع هذان الأمران لمفاهيمهم المجردة أبدا ، فنحن قد نرى أعمى يسير بثقة ، ويتحدث بطلاقة ، ويدرس ويتعلم ، وكأنه بصير يبصر كل شيء وهو لا يرى شيء ، ونرى في المعنطف الآخر ، بصير يخاف الإقدام لأي شيء خوفاً من حصول شيء ، يتردد في الحديث ، يرتبك في الخطوات خجلاً ، وكأنه أعمى وهو بصير .
وعند منعطف التساؤل بين الرؤية الأولى والثانية نسأل أنفسنا ، هل الظلام يعني الثقة والأمان والاستقرار ؟ وهل النور يعني الخوف والتردد والخجل وزعزعة الثقة ؟ تُرى من أين استمد الأعمى الثقة وأين فقد تلك الثقة البصير ؟
أسئلة تحتاج التوقف قبل التمعن بها ، فالوقوف انتباه ، والتمعن تحليل ما انتبهنا له ، وها نحن نقف ونتمعن ، وكما طرحنا سابقا وحللنا وسنطرح قادماً ونؤكد دائما ً، أن الذات هي صاحبة الكلمة الأولى لكل سلوك نؤديه بوعي منا أو بلا وعي ، فيكون التمعن هنا وقفة وقفناها تشرح أن الذات تحتاج شيء يملكه الأعمى ويفقده البصير وهي البصيرة ، التي أفسرها أنا كمختصة بعلم النفس ، هي أن تبصر لعالمك دون أن تكترث لحقيقة العالم الخارجي طالما هناك حقيقة داخلك ترشدك أن كل ما في ذلك العالم يطبق وينفذ بما تريده أنت وبما تبصره أنت وما تشعره أنت .
وهذا هو المنعطف الفاصل بين الأعمى والبصير فأعمى كل تركيزه على ذاته الداخلية وعلى تخيلاته وعلى مشاعره لذلك تجده قوي بالحدس ، بصير في الحركة ، لحد الذهول .
الأعمى يعرف أن يبصر حقيقة الأشياء أكثر من البصير ذاته لأنه يعلم قوانين الحدود ويعرف متى يتحرك وكيف يقف ؟ يعرف أي درجة يصعد ؟ بالتأكيد يحتاج وسيلة مساعدة … إلا أن المغزى هنا أنه منتبه على الدوام لأن لا وسيلة منقذه له سوى الانتباه .
أما البصير فهو معتمد على كل شيء حوله كل الظروف تتحكم في طقسه الشعوري إن شاهد جميل ابتسم وإن شاهد قبيح ضاق ، دون أن يكلف ذاته بأن تصنع له عين ترى انعكاسها دون الاكتراث بالأمكنة . لذلك نجده مزعز الثقة فهو بعيد عن نفسه أما الاعمى متصل مع ذاته لذلك يثق بالظلام .
* روائية كويتية تكتب في تطوير المهارات الذاتية وعلم النفس وأنماط الشخصيات