هامش
بقلم / جولان رشاد الواوي *
نقاط ضعفنا، والخفايا التي تمتص قوتنا، ونقاط الإرتكاز التي نفقد بفقدها التوازن في حياتنا، تكمن دائماً في الأشياء التي نحبها أكثر، الأشياء المادية و العلاقات الإنسانية على حد سواء، عندما نؤمن بأن ذلك التعلق يمنحنا الكمال والقوة.
لو كان الكمال موجوداً حقا لما احتجنا آخرين، ولذلك كان لله الواحد الأحد، مطلق الكمال.
إذا كان لك حبيب فلا تصبح أسيره، المرء أسيرٌ لما أحب، تخلص من سيطرته عليك لأجلكما معا، قل له بأنك تُحبه وعبر عما يحيك في صدرك لترتاح، و لا تكن أسيراً لظنونك ..
فالحب ، نقطة ضعف ثنائية القطب ، تحملك على الموت دون أدنى رهبة ، وتجمد الدم في عروقك في لحظة، الفرق في صدقك مع ذاتك والاعتراف بان الحبيب لا يملك السطوة عليك وأنه قد يصير عدواً أيضاً..
إصنع هامشاً لكتابة أفكارك ومشاعرك، أظهر فيه نقاط ضعفك وتعلّم كيف تتعامل معها ..
أذكر تلك المعلمة البديلة التي علمتني صُنع الهامش على دفاتري المدرسية ، علّمتني أن أسطِّر الورقة بشكل عامودي كي يتسنى لي أن أكتب في ذلك الهامش بعض أفكاري الخاصة قبل أن أنقلها بشكل مرتب إلى العمود الرئيسي، بمحاذاة الهامش المكتظ بي..
قالت بأن أفكارنا يجب أن تخرج وتستقل وإن بدت غير مرتبة، فترتيبها وهي في مواجهتنا سيكون أسهل بكثير، المهم أن نقوم بتنقيحها دون أن نُتلِف الفكرة النواة.
ومكثت شهراً على ذلك الحال ، صرت أكثر صدقاً مع ذاتي ، وأكثر إبداعاً و أكثر حباً للحياة، أكتب كل شيء مرتين ، أفكر في كل شيء مرتين ، مرة بدون قيود ومرة أخرى بشكل واقعيّ، تفتقت رغبتي بالبحث أكثر في أعماقي حيث الأسئلة الممنوعة ، والحقيقة الغائبة ، والمنطقة المحظورة..
عندما عادت المعلمة الأصليّة من إجازة الأمومة، نهرتني بقوة لأن دفاتري أصبحت فوضوية، طلبت مني إحضار دفتر جديد ثم أعادتني قصراً لكتابة ما تمليه عليّ هي دون مراجعة الأفكار والملاحظات الموجودة في هامش سخيف يسيء الى ترتيب الدفتر.
عدت أخفي نقاط ضعفي ، أخفي أجمل الأشياء دون أن أسعى إلى إصلاحها أو إعادة تشكيلها ، أخفي مخاوفي وأسئلتي اللاهثة ، أخفي مشاعري ، حبي للآخرين أو بُغضي لهم ، أخفي بعضي حتى أظهر بشكل أنيق .
وبدأت الفوضى تؤثث أعماقي ، وبدأت في مكان ما أكتب في هامش وهمي كان هو السبب الرئيسي الذي دفعني للكتابة، حيث الأوراق الخاصة كلها هامش أكثر صدقاً وبهجة..
قد تكون قصة الهامش أفضل ما حصل لي، فشكراً لمن عرفتني على شيء اسمه هامش و علمتني الكتابة فيه، والشكر الأكبر لمن كبحت شهوتي في التعبير عن ذاتي على الملأ، وإظهار نقاط ضعفي بشكل سافر ، لقد خلقت في داخلي الهامش الأكثر غزارةً وعمقاً، و علمتني أن أكون صلبة مهما بدا انهياري وشيكاً ، مبتسمة مهما ضجّ النحيب في صدري ، متماسكة رغم الهامش المملوء بالنقائض و الذي يبتلعني من الداخل ..
شكراً للهامش الذي علّمني كيف أحوّل نقاط ضعفي إلى نقطة إرتكاز واحدة ،
الكتابة ..