وحيداً في امتداد خطاك
بقلم / خولة سامي *
مذ ابتلّ بالحزن و عاد طينا ،لا يزال ينتظر عينيها تلملمانه بشراً يعشقها مئة حب
جديد ، يحبها لا شيء قبلُ ،لا شيء آخر بعدُ ، و لا شيء يعزفه الآن هذا الوتر !
هكذا كتب الشاعر فاضل الجابر إحدى رسائله إليها في ديوانه الثّرّ ( وحيداً في امتداد
خطاك ) ، في غمرة الرحيل ، الاحتراق ، الاختناق، الانتظار ، جهات العدم ... ظلّ
يكتب إليها لأنّها الوطن :
لي وطنٌ تستفيق الجهات عليهِ
و لي فيه أغنيةٌ رددتها العنادلُ لحناً حزينا
لي فيهِ عمرٌ
و لي عندما تشرق الشمسُ ظلّ ...
بلغةٍ جميلة و ألفاظ تخرجُ الحزن من مخدعه ظلّ يمضي منها ، خلفها ، إليها ،لكنها
لم تكن حبّا ، هي سياج النار الذي فتح الجفنين على لهيبه حتى حكاية الرماد ، الوهم
جزء كبيرٌ من البحث المحموم عنهم ، عنّا :
تبدينَ رغمَ أساكِ في جلدٍ
و أنا بأفدحِ همّهِ فُتنا
أجري و أجري لا إلى أحدٍ
النّارُ خلفي و الجحيمُ هنا .
و بين ( حانة الوقت ، اعترافات ، أحلام في مهبّ الهوى ) تأتي الحقيقة ( أمضي إلى
المجهول ) لأننا جميعا نخاف و كفاناً تزويراً و كذبا ! الحبّ ليس قضيتنا الأولى و لا
الثانية و لا الأخيرة ، أنفقنا أجيالاً نبحث عنه و ما أحببنا بعضنا البعض يوما ً ، لأن
الحبّ محطة صغيرة هو عقب كل ابتسامة ، ضحكة ، قلقٍ ، أو خوفٍ حقيقيّ ،لكنه
ليس القضية أبداً ، حين نرتديه لا نخلع الأرض و لا الوطن و لا هموم الحياة النابتة
على نوافذ كلّ صباح أبداً ،الحب ملحُ زادنا ،حتى طعامنا لا يطيب إلا به ، و رغيف
الموت لا يُستمرأ إلا بحضوره . الحب قاتلٌ مأجورٌ نحتاجه جميعا ، حين يقتلُ رتابة
الحياة ، مشاعر البعض بالغربة ، كبرياء البعض الآخر ، فرح فئةٍ ، و الحزن العميق
لفئة أخرى ... المرتزقة لا دين لهم ، و كذلك الحب !
حالات مركبة تنطلق منها بعض نصوص الشاعر ، لكأنه يقود القارئ الضرير إلى
نبضاته المتعبة ،و قفزات قلبه صيّاد الوهم ،ينثرك يجمعك لينفخك بزفرات أخرى
بعيداً ، تتلمس بعدها الطريق بجمره و جمرك ، فالضياع الذي يستشعره أبناء الكرة
المستديرة لا يمكن فصله عن ماهية الحلم و أوجاعه التي تسكن العظام ، تتمدّد مع
نمو الفرد ، تكبر فيه ليلاً خلف العتمة ، و الشعراء حاضنة المواجع ، يلقي إلينا حبله
الممتد من الجانب الأيسر في الصدر إلى مالا نهاية فيقول :
قل : ما الجحيم ؟
أظنهُ خذلانَ قافيتي
أظنّهُ شيطانَ أمنيتي
و أظنهُ الأوهام إن ولغت سعيراً في دماي
و أظنه الإنسانَ لو خارتْ خلايا الحبّ فيه
أظنّه حتماً أناي !
جميل أن نصل و إن كنّا قد فوّتنا الكثير من الرحلات ، جئنا في غير موعدنا ،لكننا
أتينا لأننا أردنا ذلك حقّا ، فما أكثر الإجابات التي تصل في زمن غير زمن الأسئلة ،
لكن زمناً ثالثاً سيوصلها إلينا ، سنسعد بها بكلّ حالٍ كما أسعدني إهداء الشاعر
بكلمات بسيطة ( وحيدان أنا و القصيدة في يديك ) ، مؤلم أن تشعرَ الجرح يرحّب بك
مثل عزيزٍ ، إنّه جرحُ الشعراء الذي لا ينام أبداً .
* كاتبة وشاعرة