للأخ رعد مع التحية
بقلم الأستاذة / فاطمة البلوي
بقلب يعتصره الألم والحزن, أبت الذاكرة إلا أن تعيدني بهذا الموقف الأليم, إلى بداية انتقالي للمندوبية, وكان أول اسم وقع على مسمعي, هو اسم رعد, يتردد في الغرف, وبين المكاتب, وفي الممرات, وردهات مكتب الإشراف, لا تكاد تخلو معاملة من أسم هذا الموظف, الذي رأيت الكل يعتبره بنك معلوماتي, ومرجع ونظام وظيفي, وإداري, يسير كنظام الفلك.
الاسم الوحيد الذي نرسمه على جميع معاملاتنا بتوجيهها له منذ انتقلت للإشراف, رغم أنه ليست الجهة المعينة, بقصاصة نكتب عليها ( للأخ رعد مع التحية ) لشعورنا بطمأنينة التصرف منه, فكان بحنكة التفكير, وسعة الأفق, يعرف أنه الأمان بالنسبة لنا كموظفات, فيوجهها من مكتبه للجهة المعنية, ما زاد من احترامه في نفوسنا.
كان الهاتف الثابت وسيلة تواصلنا كموظفين وموظفات فقط , ولما يحمله اسم هذا الرجل من هيبة, كنت أتردد كباقي الزميلات من التواصل للمفاهمة معه, على بعض المعاملات التي نجد بها مشاكل, ولا نجد لها حلول لقلة خبرتنا, إلا بعد تشجيع بعضنا لبعض للتواصل معه, وشرح المشكلة التي تواجهني له, وطلب الرأي منه بالخروج لحلها, عندما كانت أخطاء الموظف لا تغتفر, فكنا نجد عنده الرأي الذي يقدمه بكل نصح ودون تردد.
كان قياديا بالفطرة, يحمل شجاعة بالقرار, وقوة بالكلمة, يحمل ثقة بالنفس أعطته سدادة الرأي المتزن السلس, لا يتهاون مع المقصر, ولكن بدون تجريح, بل يتعاون معه ويتابعه حتى يطمأن عليه, كان سندا صلبا لكل من يحتاج لمشورته, وموجها لا يتذمر من النقاش, ولا يشعرك بثقل يجده منك.
كل من يقابله ولو لمرة واحده, لا يخرج منه إلا بفائدة كبيرة, فكيف بنا نحن زملاءه الذي تقاسمنا العمر معه سنين عدة, ووجدنا به قدوة, حتى بتنا لا نستطيع التصرف إلا بعد العودة له, لثقتنا برأيه الهادف الذي يتبعه دائما بقول ( قد أكون صائب وقد أكون مخطئ فأنا بشر) وجدنا فيه مديرا أبويا, موجها ناصحا,
كسب ثقة موظفيه وتقديرهم, واحترام المراجعين, يجدون عنده كل ترحيب ورجاحة رأي, ومحاولا الوصول بهم لقضاء حاجاتهم , حتى صار مدرسة ببصمة واضحة انعكست على شخصياتنا, بعدم الخوف من الخطأ, ومحاولة تصحيحه بكل جرأة وثقة, تعلمنا منه كيف نفند المعاملات, وكيف نفصلها, ووضع الخطط, ثم التنفيذ, واحترام ساعات العمل , تعلمنا منه عدم الخجل من التراجع والاعتراف بالخطأ في حال اكتشف أحدنا خطأه , ولن أنسى توجيهه لي حين كنت أقاطعه في النقاش ( استمعي للمتحدث حتى ينتهي ولا تقاطعيه, حتى تعرفي ماذا يريد ولا تقعي بحرج الرد الخاطئ)
خدم بدون طلب مصلحة, أو هدف شخصي, منكرا لذاته, يعطي دون النظر لمردود, ولا ينتظر رد الجميل , والناس في عالمه سواسية, كثيرا ما يردد (القيادي الناجح من يتخرج من تحت منظومته قياديين) فكنا مجموعة تأثرت ببصمته القيادية, وكلماته التي تقع من نفوسنا في مكانها, فصنع مجموعة من القياديين والقياديات, التي ستتأثر في غيابه لما له من شخصية نادرة.
شكرا أبو حاتم على ما تعلمناه منك, وستبقى بصمتك التي غرستها بنا نبراسا, نغرسه بالأجيال, لتبقى مدرسة خاصة في صدقك, وتعاملك, ورحمتك, وهيبتك, وشجاعة قرارك, وقوة كلمتك, وحكمتك, وسدادة رأيك, ثم حسن قيادتك.
( زميلتك/ فاطمة البلوي)
*
9 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓