إدمان التسرع نمط شخصية أم اُسلوب حياة
بقلم / أ.د. بشرى إسماعيل أرنوط *
لكل منا اسلوب حياة خاص به وقد يكون من سمات هذا الاسلوب العجلة والتسرع اعتقاداً بأن ايقاع الحياة متسارع وبشكل متزايد ولابد أن نلاحقها، لكن بعض مجالات الحياة تتطلب السلوك الأكثر تمهلاً .
فالتمهل مطلوب وكذلك الإسراع، ولكن بالقدر المناسب لأن كل ما زاد عن الحد انقلب للضد . فالتأني دليل على رجاحة العقل والرزانة والثقة والطمأنينة النفسية ،أما العجلة فمن الأخلاق المذمومة قال تعالى ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) ( القيامة ، الآية : 16 )، كذلك قال صلى الله عليه وسلم ( التأني من الله والعجلة من الشيطان ) . فالتعجل يؤدي إلي إهدار طاقات الفرد ويعوقه عن تحقيق أهدافه مما يؤدي به إلي الشعور بالغضب والعجز والندم والكآبة والحزن والقلق والتشاؤم ومن ثم يكون عرضة للاصابة ببعض المشكلات النفسية والأمراض الجسمية. وآثار التسرع لا تكون على المتسرع فقط بل على المحيطين به أيضاً. ويعتقد كثير منا أن الإسراع سبيلنا لإنجاز أكبر قدر من الأعمال في أقل وقت ممكن، ولكن على العكس قد يكون تسرعنا في أداء الأعمال سبباً للتأخير لأنه يجعلنا نقع في كثير من الأخطاء في الأداء ويقلل من استفادتنا من الوقت ومن ثم يقلل من شعورنا بالراحة والسعادة والرفاهية النفسية وقد يجعلنا نقع تحت المساءلة لما يترتب عليها من خسائر اجتماعية أو مادية أو بشرية فادحة أحياناً . فقد يكون الفرد متسرع في أداء المهام الوظيفية ، أو التسرع في الزواج ، أو التسرع في الصلاة ، أو التسرع في قيادة السيارة ، وكذلك تسرع الزوجة في أداء الأعمال المنزلية ، والطبيب في إجراء العملية الجراحية ، والمعلم في أداء مهامه ، وقد يتسرع الطلبة في حل الواجبات أو الاجابة عن أسئلة الاختبار ومن ثم الوقوع في الأخطاء الفادحة والشعور بالندم ، فقد قيل في التأني السلامة وفي العجلة الندامة .
ولكن متى نصف شخص ما بأنه مدمن للتسرع ؟ يمكن أن نصف الفرد بأنه مدمن للتسرع إذا كانت صفة التسرع بارزة في شخصيته وتصرفاته وسلوكه ، وأهم مبدأ في حياته هو الإسراع بغض النظر عن أي شيء آخر ويسيطر على تفكيره ومشاعره، حيث الانشغال البارز والزائد والتحريفات المعرفية واضطراب السلوك الاجتماعي والشعور باللهفة لأن يؤدي كل اعماله بسرعة فنجده نتيجة لذلك مشغولاً بالعمل طوال الوقت فهو يفعل الكثير ولا ينجز إلا أقل القليل، واذا لم يقم بأداء واجباته بسرعة نجده يشعر بتوتر وضيق وقلق وحزن، ولذلك هو يعيش في صراع مع نفسه ومع الوقت ومع المحيطين به، وإذا ترتب على التسرع أضرار شخصية أو مهنية أو مجتمعية فقد يفقد عمله أو يفقد الآخرين أو يتضرر الآخرين من تسرعه أو يقع تحت طائلة القانون .
ينقسم الأفراد بصفة عامة إلى نوعين، اصحاب النمط (أ) وأصحاب النمط (ب) . يتميز الأفراد ذوي النمط (أ) بالتعجل في حديث الآخرين، والشعور بالضجر والتململ ويرون أن الآخرين يفعلون أشياء بإمكانهم إنجازها أسرع منهم، يخططون للقيام بأنشطة أكثر في وقت اقل، يرغبون الفوز في اللعب حتى لو كانوا يلعبون مع الأطفال، يستخدمون الإيماءات والإشارات عند التحدث، ينقر بأصابعه، يفكر في شيئين أو يفعلهما في نفس الوقت، يغفل عن ملاحظة بعض الأشياء المهمة، يشعر بالضجر إذا أنتظر في الصف، دائماً مشغول، ينشغل باله بالأشياء التالية التي سوف يفعلها، يأكل ماشياً، واتخاذ قرارات سريعة دون دراسة .
أما الأفراد الذين يتميزون بالنمط ( ب ) يتميزون بالصبر والهدوء والاسترخاء والتأني في اصدار الأحكام، واتخاذ قرارات حكيمة والثبات عكس أصحاب النمط (أ).
ومدمنو التسرع أقرب لصفات الأفراد ذوي النمط (أ) يشعرون بإلحاح الوقت ولذلك أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب .
ولذلك إذا كنت من مدمنو التسرع فعليك التوقف حالاً عن ذلك، أعط نفسك مهلة للتفكير المتزن والتروي وانتبه لكل ما حولك واستمتع بالحياة، فكلما كنت أكثر هدوءاً وأعمق تفكيراً ستصبح أكثر إنجازاً وانتاجية وتميزاً، وإليك بعض النصائح التي تساعدك في التغلب على هذه المشكلة :
1- قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والاستفادة من سنته، وكذلك سير الصحابة رضى الله عنهم والسلف الصالح .
2- الدعاء حيث كان من دعائه صلى الله عليه وسلم ( واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) .
3- توقف عن الرد السريع والاستجابة المتعجلة الحمقاء .
4- قيم الموقف جيداً ولا تتورط في أخد قرارات سريعة .
5- تريث في إصدار الأحكام واجعل أحكامك مرنة عامة .
6- التفكير في عواقب ومخاطر وأضرار التسرع والتعجل على الفرد وعلى الآخرين.
7- استمتع بوقتك ولكن دون تأجيل أو تسويف أو مماطلة فالتوازن مطلوب.
8- درب نفسك على التركيز في شيء واحد فقط.
9- درب نفسك على الصبر والإنتظار .
10- أعط نفسك وقت للاسترخاء .
11- غير باتزان من سرعة أدائك بين وقت وآخر ما بين التمهل والسرعة .
12- ركز فيما تفعله الآن بدلاً من تركيزك على ما حدث أو ما سنفعله أو ما نحاول إنجازه لأن هذا يجعل أدائك أكثر كفاءة وجودة .
ونتيجة للعواقب الوخيمة والاضرار البالغة لتسرع الأفراد وتعجلهم يقع على المؤسسات التعليمية والمهنية دوراً بارزاً في تنمية مهارات أفرادها للاستفادة من الوقت، وكذلك تقديم الدورات التدريبية عن إدارة الوقت وإدارة الذات، وجودة الأداء لاستثمار طاقات منسوبيها والجهود التي يبذلونها وخفض نسبة الهدر الوظيفي والتعليمي ورفع مستوى الإنتاجية من أجل تحقيق مستوى الجودة المطلوبة وذلك في ضوء مدخل إدارة الجودة .
* أستاذ الارشاد النفسي ، كلية التربية – قسم علم النفس التربوي
المجمع الأكاديمي للدراسات العليا للطالبات بلعصان- جامعة الملك خالد
أبها
3 pings