ما ساءني لوني وإسمُ زبيبة ** إنْ قَصَّرَتْ عَنْ هِمَّتي أعدَائي ..!!
بقلم الأستاذ/ أحمد النجار *
مازلتُ حتى هذه اللحظة ألتمس من وزارة التعليم أن تُكَثفَ ماتقدمه للطلاب من الجنسين من شخصيات إسلامية وتاريخية من تراثنا العربي والإسلامي , فإن لذلك أثرٌ تربوي ثقافي عظيم للغاية .., فعنترة بن شداد العبسي - مثلاً - والذي كان جزءاً من مُعَلَقَتهِ وسيرتهِ يُدرَسُ للطلاب في المرحلة الثانوية في المنهج القديم , هذا الفارس الأسود العملاق الذي نهضَ من بين الرماد كطائر الفينيق الأسطوري ليصنعَ مجداً خالداً وينتزعُ احترامه انتزاعاً ويخطُ برمحه على صفحات التاريخ سجل فخرٍ لايُمحى ..!!
فهذا الفارس لم يكن يملك من مقومات النجاح المتداولة بين الناس شيئاً يُذكر , فلم يكن غنياً ولا وسيماً ولامعتمدٍ على نسبٍ عريقٍ , بل العكس وجهتْ له الحياة أول لطمة مُدمرة قاسية عندما وصل الخبر لأبيه شداد بأن جاريته السوداء زبيبة قد أنجبت غلاماً .., وكأني أتخيله قد رفعَ ستار الخيمة على زبيبة ونظر إليه بازدراء وسماه لاأدري استخفافاً أو احتقاراً بعنترة .. , وعنترة هو الذباب الأزرق كما تروي ذلك بعض المصادر ..!!!
وكانت ثاني لطمة عندما لم يعترف به أبوه بل وأرسله ليعيش مع الرعاة خارج مضارب بني عبس ..!!
عنترة كان - وبكل المقاييس - مؤهلاً للفشل من أوسع أبوابه , ولكن نفسه الأبية أبت عليه ذلك , فطفق يتدرب ويُنمي قدراته ويستغلُ إمكاناته من قوة بدنية وضخامة جسدية ويُمارس الفروسية حتى وهو بين رعاة وليس فرسان ..!!
حتى جاءت اللحظة الحاسمة وساعة الصفر كما نقول وأتته الفرصة تمشي نحوه ووجدته جاهزاً لها كل الجهوزية , فهب لإنقاذ ماستلبه العدو من قومه على مرأى من فرسان عبس ومسمع ..!!!
ودار ذاك الحوار العظيم المؤثر بينه وبين أبيه الذي أعلن فيه شداد حاجته لعنترة حاجة حياة أو موت , وأعلن عنترة أنه لابُد أن يسترد حقوقه المسلوبة وكرامته المُهدرة باعتراف أبيه بفروسيته حين قال : العبد لايُحسن الكر والفر بل يُحسن الحلب والصر , فأعلنها شداد : كُر وأنت حُر ..!!
من هنا بدأ التاريخ يرهفُ سمعه لعنترة الفارس المغوار الذي لايُشق له غبار , فتحول بعزيمته وإصراره وقوته من مُجرد ذبابة زرقاء إلى فارس يهابه الفرسان وتجلسه الملوك في مجالسها وتطير بأخباره الركبان ..!!
عنترة شخصية جديرة بالدراسة والتمحيص والاستنباط , عنترة عبقري لامثيل له ..
مما يحضرني عن عنترة أن أحد فرسان العرب قد سأله مُستغرباً فقال له : ياعنتر , أنا أقوى منك وأضرب بالسيف منك وأمهر بالفروسية منك وأجيد ركوب الخيل أفضل منك وأنا ابن حرة وأنت ابن أمة .., فلماذا يعرفك الناس ولايعرفونني ؟!!
فطلب منه عنترة - كما تروي بعض المصادر - أن يضع كل منهما أصبعه تحت أسنان الآخر ويقوم كل منهما بالضغط بقوة ومن يصرخ أول هو الذي سيخسر .., وبدأت معركة عض الأصابع ( وهي استراتيجية باتت تُستخدم بكثرة هذه ألأيام ) وبعد فترة سالت الدماء من الأصابع وصرخ الفارس تاركاً أصبع عنترة ..!!
فقال عنترة : لو صبرت قليلاً لكنت صرختُ أنا ..!!
فعلاً إنما الأمر صبر ساعة أكثر من صبر الآخرين للتميز والتفرد ..!!
هذه القصة – وحتى وإن لم تكن صحيحة – إلا أن فيها فلسفة غارقة في العمق ومنهج نجاح وتميز لايخيبُ – بإذن الله أبداً - ..
عنترة فارس شق طريقه بنفسه من أسفل السلم الاجتماعي حتى قمته , عنترة كان مُجرد ذكر اسمه في معركة ما كفيلٌ بتغيير نتائج المعركة بالكامل ..!!
عنترة قصة كفاح وتحدٍ وصبرٍ وقوة وإرادة جديرة بالتَعَلم ..!!
وحدها معركة الحُب التي خسرها عنترة , فعبلة ظلت حُلماً عصياً .., وخسارته تلك لاتُعيب عنترة ولاتنقص من فروسيته , فدلوني على أحدٍ مهما بلغت قوته أستطاع أن يتغلب على الحب في معارك العشق ..!!
* مستشار نفسي واجتماعي