حينما حج قلبي
بقلم الأستاذة / سلوى بادبيان
عن الاصطفاء عن الاختيار أتحدث ﴿وَأَنَا اختَرتُكَ فَاستَمِع لِما يوحى﴾حينما أقرأ هذه الآية في القرآن تتغشّى روحي مشاعر يعجز قلمي أن يرتب أبجديات جمالها وحينما أتبع الله اختياره لموسى ،باصطفاه من بين كل البشر ليسمعه صوته ويصطفيه لرسالته تم أتبع الله عز وجل ذلك بقوله :(وَأَلقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنّي وَلِتُصنَعَ عَلى عَيني) , ﴿وَاصطَنَعتُكَ لِنَفسِي﴾اصطفاء ، محبة ، اختيار ،اصطناع فيض من مشاعر لو كانت من بشر لبشر لتراقصت لها الروح فرحاً , فكيف حينما تكون من رب البشر لعبده . كم مرة شعر أحدنا أن ربه اصطفاه واختاره لعمل خير ؟ دعوة أو عبادة او اصلاح بين الناس او .... الخ فعندما يسهل الله لك عمل خير تيقن انه اصطفاء من الله لك , ليس بفضلك ولا بدينك و لا بإرداتك عملت ذلك انما اختيار وتسخير من ربك الرحيم عز وجل قس على ذلك الحج بما أننا في هذه الأيام المباركة ، أن يختار الله من بين مليار مسلم اثنين مليون حاج لبيته أوليس هذا اصطفاء ؟ بل هو أعظم اصطفاء . حدث لي هذا العام أن شعرت بذلك حينما نوينا الحج وبدأنا بالتخطيط وإعداد المطلوب المال والحملة المناسبة وماذا بعد ؟روحي نعم روحي أيضا تحتاج للإعداد كانت حقاً ليلة مختلفة .. اختلط فيها الفرح بالدموع , نبضات القلب بمدادها كتبت أقصوصة الحب الخالد , وأخيراً سيتحقق حلماً لطالما حمله قلبي في جيوبه منذ سنين شعرت بالاصطفاء من ربي , سأكون بين لابسين البياض , السائرين إلى رب العباد, التاركين خلفهم كُل دنياهم , أهليهم ، أمتعتهم , ومتع الدنيا وحطامها ليقولوا لخالقهم بصوت واحد , ولباسً واحد , وأمنية واحدة (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) فتتحطم كل الفوارق البشرية لا فرق بين غني أو فقير , عربي أو أعجمي , أسود أو أبيض , حاكم أو محكوم الكل هنا سواء والميزان الحق تقوى الله .فسبقت روحي موعد الحج وطافت سبعاً وسعت سبعاً وهي ترى في قصة السبع اصرار سيدتنا هاجر عليها السلام على أن تجد منفذاً لها ولرضيعها ولا تيأس من روح الله فقد علمها قبلُ أبينا ابراهيم عليه السلام أنه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون , فكان لهاجر عليها السلام أكثر مما طلبت بحسن ظنها بربها فأعطاها بئر زمزم , وعلمتنا درساً لا ينسى (ثق بالله وأحسن ظنك به وأخلص بالدعاء واسعى بإصرار تنل ما تريد وفوق ما تريد )إلى منى يا روحي هناك حيث يوم التروية تروى الروح خشوعاً وتعظيماً استعداد ليوم الحج الأكبر عرفة وما أدراك يا قلبي ما عرفة ؟يباهي الله ملائكته في هذا اليوم العظيم بعباده الشعث الغبر الذين جاءوا من كل بقاع الأرض لا لشيء إلا لله وحده لا شريك له (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة)إن يوم عرفة يوم فخر للمسلمين، إذ لا يمكن للمسلمين في أي مكان أن يحتشدوا بهذا العدد في وقت واحد إلا في هذا المكان.إن في هذا الاجتماع آية عظيمة على قدرة الخالق سبحانه وتعالى، إذ يسمع دعاء كل هؤلاء في وقت واحد على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأجناسهم، ويعطي كل واحد سؤله دون أن تختلط عليه المسائل والحاجات، أو تخفى عليه الأصوات والكلمات، سبحانه هو السميع البصير العلي الخبير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.ثم يوم النحر وأيام التشريق الثلاث هناك حيث الدرس الإبراهيمي العظيم سمعاً و طاعة يا خالقي لكل أوامرك حتى لو كان فيها مقتل ثمرة فؤادي فرضاك يارب هو الهدف الأسمى من هذه الحياة الفانية درس في الطاعة أمام فتن الحياة التي نتعرض لها كل يوم فتنة الثبات أمام دعوات الانحلال الأخلاقي بحجة تحرير المرأة من حجابها بل هو تجريدها من دينها فتنة الثبات أمام كل مغريات الدنيا التي لا تنتهي ويأتي الشيطان ليثُني الخليل عليه السلام عن مسعاه فيرجمه سبعاً ويمضي الى هدفه ثم يأتي ثانياً ويرجمه سبعاً ويمضي إلى هدفه ثم يأتي ثالثة ويرجمه سبعاً ويمضي إلى هدفه أي عظمة هذه وأي حب حمله قلبك لربك كيف لا وقد نلت لقب (خليل الله ) ففداك ربي بذبح عظيم وحفظ مهجة قلبك وعلمت البشرية درسا في الطاعة والإخلاص والثبات( أن الفتن ستواجهنا مرة تلو المرة وتعيد الكرة ولا تمل فاصدق مع الله واثبت فما هي الا امتحانات وتمحيص ليعطيك بعد ذلك الكريم حتى ترضى )و بينما أنا في سماء أحلامي الربانية الروحانية أطير بلا أجنحة أفاقني صوت رنين محمولي فأيقظني من سبات جميل وأصابني بمقتل رسالة من وزارة الحج أفتحها وأنا أسمع نبضات قلبي فكانت المفأجاة أو المفاجعة (رفضت أوراقي ولا حج لي هذا العام ) شعرت كأني صائم عطش ببلل الماء شفتيه وقبل أن يصل فيه سقط الكأس من يديه وتناثر الماء حواليه تمتمت على قلبي بتعويذة الحمد الحمد لله على كل حال و رتلت عليه قوله (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم ) لعل الخيرة في تأخيره لعام مقبل يكتب الله لي فيه أكثر مما احلم به حج قلبي هذا العام وسيجمع الله قلبي بجسدي في عرفة قريباًوهنيئا لكل حاج اختاره الله لبيته واصطفاه حاجا ملبيا واقفا بعرفات , كما اصطفى الله ابراهيم قبلُ ببناء الكعبة والأذان بالحج اصطفاء ابراهيمي خاص كم من قرون مرت ومازال حجيج بيت الله يلبون النداء﴿وَأَذِّن فِي النّاسِ بِالحَجِّ يَأتوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأتينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ﴾اللهم اكتبها لقلبي ولكل مشتاق.
* كاتبة ، تربوية