قيمة المرأة في الإسلام
بقلم الدكتور / أيمن أبومصطفى *
الحمد لله الذي أنزل على عبده القرآن، وعلمه البلاغة والبيان ، وجنبه الغضاضة والنقصان ، والصلاة والسلام على أفضل مخلوق وأتم إنسان ، من اعترف بفضله الإنس والجان ، وبعد
فمما تجدر الإشارة إليه أن المرأة تشكل أهمية في المجتمع ، فهي الزوجة الصالحة ، والأم البارة ، والأخت التي تقف جانب أسرتها عند الشدائد ، لذلك فقد أولاها الإسلام عناية كبيرة ، وورد ذكرها في أكثر من موضع من القرآن الكريم .
المرأة قبل الإسلام.
كان العرب ينظرون إلى المرأة نظرة احتقار ، فهي عندهم وعاء للولد ، إذا وضعته استغنى الرجل عنها ، وكانوا يعاملون المرأة – إلا في القليل النادر – معاملة قاسية ، حيث كانت إذا مات عنها زوجها قسمت مع التركة ، حتى إن بعضهم كان يقتلها تخلصا من نفقتها ، أو يتزوجها ابن زوجها ، وكان الرجال يكرهون الإناث ، ويفضلون الذكور على الإناث ، وقد عبر القرآن عن ذلك فقال :" وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم "(النحل-58) كان بعض الناس من العرب إذا رأى من زوجته علامات الوضع أخذها للصحراء ، وحفر حفرة في التراب ، فإذا وضعت أنثى دفنها حية ، وإن وضعت ذكرا استبشر به وإخذه وانصرف فرحا مسرورا، قال تعالى" وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ"التكوير (8،9)
فلقد"كانت المرأة عند بعض العرب في الجاهلية تعد جزءا من ثروة أبيها أو زوجها ، وكان ابن ارجل يرث أرملة أبيه بعد وفاته ، وكان العرب قبل الإسلام يرثون النساء كرها ، بأن يأتي الولد ( الوارث) ويلقي ثوبه على زوجة أبيه ثم يقول : ورثتها كما ورثت مال أبي، فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها بدون مهر، أو زوجها لأحد عنده ، وتسلم مهرها ممن يتزوجها، أو حرم عليها أن تتزوج ، كي يرثها بعد موتها.فمنعت الشريعة الإسلامية هذا الظلم."
هكذا كانت المرأة عند العرب . فهل غير الإسلام من وضعها ؟ هل كان للإسلام أثر في حياة المرأة؟
المرأة بعد الإسلام:
جاء الإسلام فملأ الأرض نورا ، جاء ليقضي على كل مظاهر الظلم والفساد ، جاء ليحرر العباد من عبادة العباد ، ويهديهم إلى عبادة رب العباد ، قال تعالى" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" البقرة (257) جاء الإسلام ليبني مجتمعا صحيح الجسم ،قوي البدن ، لهذا المجتمع عمودان ، أو ركنان أساسيان لا يزيد أحدهما على الآخر خطورة ، هذان الركنان هما الرجل والمرأة ، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" النساء (1) بل أن الله تعالى جعل ذلك آية من آياته ، ودلالة من دلائل قدرته قال تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" فالمرأة جزء من الرجل، وهل يقسو الإنسان على نفسه ، فإنه إن أحب زوجته
أكرمها ، وإن كرهها لم يهنها. ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، فلقد كان يعامل زوجاته معاملة حسنة ، وكن يعترفن بذلك ، فالمسلمون يعرفون السيدة خديجة ، وعائشة ، ويعرفون فاطمة وأسماء وغيرهن كثير .
الغرب يشهد بذلك:
يرى العلامة ول ديورانت( ) أن الإسلام قد رفع "من مقام المرأة في بلاد العرب ... وقضى على عادة وأد البنات، وسوّى بين الرجل والمرأة في الإجراءات القضائية والاستقلال المالي، وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلال ، وأن تحتفظ بما لها ومكاسبها، وأن ترث، وتتصرف في مالها كما تشاء، وقضى على ما اعتاده العرب في الجاهلية من انتقال النساء من الآباء إلى الأبناء فيما ينتقل لهم من متاع ، وجعل نصيب الأنثى في الميراث نصف نصيب الذكر، ومنع زواجهن بغير إرادتهن"( ) .
ويوضح إميل درمنغم• E. Dermenghem كيف حرر النبي - صلى الله عليه وسلم -المرأة، ويفصل في ذلك..قائلاً:
" مما لا ريب فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة في بلاد العرب و حسَّن حالها، قال عمر بن الخطاب [- رضي الله عنه - ] :(مافتئنا نعد النساء من المتاع حتى أوحى في أمرهن مبينًا لهن )، وقال النبي [- صلى الله عليه وسلم -]:( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم ).. أجل، إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أوصى الزوجات بإطاعة أزواجهن، ولكنه أمر بالرفق بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرهاً وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلاق " ( ).
يقول نظمي لوقا• " ولم يكن للنساء نصيب في المواريث أيام الجاهلية ... فأنزلت الآية التي تورث النساء. وفي القرآن تحريم لوأد البنات، وأمر بمعاملة النساء والأيتام بالعدل، ونهى محمد [- صلى الله عليه وسلم -]عن زواج المتعة وحمل الإماء على البغاء .." ( ) .ويقول أيضا:" المرأة في الإسلام إنسان له حقوق الإنسان وكل تكاليفه العقلية والروحية فهي في ذلك صنو الرجل تقع عليها أعباء الأمانة التي تقع عليه، أمانة العقيدة والإيمان وتزكية النفس.. وقد نجد هذا اليوم من بدائه الأمور. ولكنه لم يكن كذلك في العالم القديم، في كثير من الأمم حيث كانت المرأة تباع أحيانًا كثيرة كما تباع السلعة.. وكانت في كثير من الأحيان منقوصة الأهلية لا تمارس التصرفات المالية والقانونية إلا عن طريق وليها الشرعي أو بموافقته، بل لم تكن تملك تزويج نفسها على الخصوص، وإنما الأمر في ذلك لوليها يجريه على هواه. وأكثر من هذا، كانت قبائل العرب في الجاهلية تئد البنات كراهة لهن وازدراء لشأنهن، ومن لم يئدهن كان يضيق بهن ضيقًا شديدًا.."
ويقول دكتور أحمد سوسة عضو المجمع العلمي العراقي : ".. كانت المرأة في ديار العرب قديمًا محض متاع، مجرد ذكرها أمرٌ ممتهن. هكذا كان الوضع حينما جاء محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، فرفع مقام المرأة في آسيا من وضع المتاع الحقير إلى مرتبة الشخص المحترم الذي له الحق في الحياة حياة محترمة، كما أن له الحق في أن يملك ويرث المال"( ).
فالإسلام أعلى من قدر الأم وجعل لها منزلة كبيرة ،فلها الحق في اختيار الزوج ، رغم أن ذلك لم يكن معهودا عند العرب أو غيرهم ، فقد كانت المرأة في الجاهلية لا حق لها في اختيار زوجها، أما في شريعة الإسلام فقد جعل الإسلامُ حقاً للمرأة في حرية اختيار زوجها، فقد بوب الإمام البخاري في صحيحه : وقال: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، ثم أورد حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"( )..
كما جعل لها الإسلام حق الميراث ،" فقد منح الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] المرأة - كذلك - حق في الميراث. وحقها به : نصف حق الذكر ، وذلك لأن المرأة لا تدفع مهراً كالرجل، وليست مكلفة بحاجات البيت "( ) .
وجعل لها حق العمل ، فلقد أشار آتيين دينيه •صاحب كتاب رجال ونساء أسلموا إلى ذلك قائلا : " " إن الإسلام قد كرم المرأة وأعطاها حقوقها كإنسانة ، وكامرأة ، وعلى عكس ما يظن الناس من أن المرأة الغربية حصلت على حقوقها ... فالمرأة الغربية لا تستطيع مثلا أن تمارس إنسانيتها الكاملة وحقوقها مثل المرأة المسلمة . فقد أصبح واجبًا على المرأة في الغرب أن تعمل خارج بيتها لكسب العيش . أما المرأة المسلمة فلها حق الاختيار، ومن حقها أن يقوم الرجل بكسب القوت لها ولبقية أفراد الأسرة . فحين جعل الله سبحانه وتعالى للرجال القوامة على النساء كان المقصود هنا أن على الرجل أن يعمل ليكسب قوته وقوت عائلته . فالمرأة في الإسلام لها دور أهم وأكبر.. وهو الإنجاب وتربية الأبناء، ومع ذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة الحق في العمل إذا رغبت هي في ذلك، وإذا اقتضت ظروفها ذلك "( ).
كما جعل الإسلام للمرأة حق المشاركة السياسية ، فهذه أم سلمة رضي الله تعالى عنها تقف موقف المستشار السياسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء صلح الحديبية، وسنعرض لهذا العنصر بالتفصيل فيما بعد ؛ لأنه محور هذه الدراسة.
وخلاصة القول: لا يمكن لذي عقل أن ينكر عناية الإسلام بالمرأة ، فهي وعاء الولد ، ومصباح الدار، وراحة النفوس. ومن الظلم البين أن نقارن بين امرأة ورجل ، فالمرأة لها وظائف ، والرجل له وظائف ، وكل منهما يكمل الآخر ، ولا يستغني عنه ، فالمقارنة لا تكون إلا بين متشابهين ، إذ إنه لا يمكن أن نقارن بين برتقال وليمون ، فلكل خصائصه ، وحسن كل واحد منهما في ضد غيره
فمن يدعي أن الإسلام لم يعط للمرأة حقوقها فقد ظلم نفسه أولا ، لأنه كذب على الله وعلى رسول الله ، فالأسلام أعطى للمرأة ما لم تعطه لها الحضارات المتمدينة الحديثة والقديمة .
والمنادون بتحرير المرأة هم في حقيقة الأمر ينادون إلى ظلمها ، ويدعونها إلى التبرج والسفور ، والتزين كي تكون متاعا لهم ، بل كي تكون سهما مسموما يضربون به الإسلام ، ولكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
ولو أنهم أنصفو لنادوا بتحرير المرأة من جهل الحضارات الغربية ، التى لا تفرق بين الحلال والحرام ، حتى شاع عندهم الفساد ؛ من أمراض خبيثة ، وجرائم بشعة ، وأمراض نفسية تجر صاحبها إلى قتل نفسه في أغلب الأحيان.
واقع المرأة وما يجب أن تكون عليه:
هذا هو واقع المرأة يريدها أعداء الإسلام سهما مسموما يضربون به نحر الإسلام ، فهل تنتبه المرأة وتدرك أن الإسلام أعطاها مكانة عظيمة ، وجعل لها حقوقا مثل حقوق الرجل ، فلها حق الميراث وطلب العلم والعمل الذي يناسبها بحيث لا تكون مصدرا للفتن ، وينبغي أن تعلم المرأة ذلك وينبغي أن تحرص على طلب العلم لكي تخرِّجَ لنا أجيالا قادرين على البذل والعطاء .