اطلقْ الحمارَ الذي بداخلك ..!!
بقلم الأستاذ/ أحمد النجار *
أكثرُ شخصيتين وقعَ عليهما ظلمٌ في العالم هُما العربي والحِمار - أجلكم الله – فالحمار مانفكَ الناسُ في الثقافة الشعبية يتهمونه بالغباء المُفرط وبالبلادة , حتى أنهم ادرجوا - وبدمٍ باردٍ - اسمه في قواميس السخرية والشتيمة والانتقاص , مع أنه - والواقعُ يُثبِتُ ذلك - درجةٍ عالية جداً من الذكاء مُقارنة بكثيرٍ من الحيوانات وحتى مقارنةً بالحصانِ نفسه .., فهو لديه حاسة سمعٍ عالية جداً وقدرة مُذهلة على فهم التعابير الصوتية والحركات الإيمائية , كما أنه يستطيع تذكر الطريق وكل مافيه من مخاطر ووعورة ومواضع خطر حتى ولو سلكه لمرة واحدة , وللحمار قدرة تحمل عالية للغاية وصبرٍ لامثيل له , حتى أن العربَ تُكنيه بأبي صابر ..!! كما أن الحمارُ مشهورٌ بعناده وإصراره على رأيه في كثيرٍ من الأحيان , وهذه صفة من صفات الذكاء وليست من صفات الغباء , ولاننسى قدرة الحمار - أيضاً - على تحمل الأحمال الثقيلة ولمسافاتٍ بعيدة .., وعلى الحقيقة وحتى أكون مُنصفاً أكثر فالثقافة الغير شعبية عرفتْ مكانة الحمار وأنزلته منزله , بل إننا نرى رسم الحمار في كثيرٍ من الصور الفرعونية والمسيحية واليهودية , فالمسيح - عليه السلام - دائماً راكباً حماراً , حتى أنه في التاريخ اليهودي القديم كان اسم شيشم (نابلس) والذي مات على يد أولاد يعقوب ، حامور ..!!, حتى العرب عرفت للحمار مكانتهِ وتحمله للمشاق والمصاعب حتى أنها لقبتْ الخليفة الأموي مروان بن محمد بسبب صبره وجلده وقوة تحمله بمروان الحمار .., حتى في الأدب ظهر الحمار بمظهر العاقل الكتوم الحكيم كما كان الحمار بنيَمين في رواية (Animal Farm ) مزرعة الحيوان لجورج أوريل ..!! حتى حديثاً وجد الحمار المسكين من يُقدره ويُقدر مواهبه وقدراته فالحزب الديمقراطي الأميركي منذ إنشائه شعاره الحمار وذلك بقصد إظهار القدرة على التحمل والمتابعة..!!
ونحنُ - وعلى الحقيقة - وفي ظلِ مانمرُ به من متغيراتٍ ومصاعب وتحديات تحتاج منا إلى ذاكرة قوية وحاسة سمعٍ أقوى , وقدرة احتمالٍ وصبرٍ , وأحيانأً الكثير من العناد والثبات على الرأي مهما حدث , كما أننا نحتاج إلى دراية بوعورة الطريق ومكامن الخطر فيه وأن نحفظه فلا نخطئ فيه ثانيةً ..!!
حتى ولو أصر البعض على أن الحمار غبي , فما أحوجنا هذه الأيام إلى كمية لابأس بها من التغابي الذي يُمكننا من الحياة على هذه الأرض المليئة بالأفعال التي لن نفهمها ولن نجداً لها تفسيراً حتى ولو كنا بذكاء حادٍ لامثيل له ..!!!
فنصيحتي : خذ نفساً عميقاً وقرر - بعد قراءتك هذا المقال - أن تُطلق الحمار الذي بداخلك لكي تكون أكثر صبراً واحتمالاً وسمعاً ودراية بطريقك , أو حتى أكثر غباءً ..!! وتبسم إن وصفك أحدهم بأنك حمار وصافحه بحرارة وقل له : أتمنى أن أكون عند حُسن ظنك بي ..!!
ورحمَ الله المتنبي حين قال في رائعته الخالدة :
بحبك يا حمار
ولعلمك يا حمار
أنا بزعل أوي لما
حد يقول لك يا حمار
* مستشار نفسي واجتماعي