قبس التنزيل من هدايات المئين و المثاني(11)
بقلم الأستاذة / مضاوي القويضي *
سأتناول شيئا من تدبر سورتي القصص و العنكبوت من تفسير السعدي رحمه الله تعالى والمختصر في التفسير
( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) القصص (2)
{ تِلْكَ } الآيات المستحقة للتعظيم والتفخيم { آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ } لكل أمر يحتاج إليه العباد، من معرفة ربهم، ومعرفة حقوقه، ومعرفة أوليائه وأعدائه، ومعرفة وقائعه وأيامه، ومعرفة ثواب الأعمال، وجزاء العمال، فهذا القرآن قد بينها غاية التبيين، وجلَّاها للعباد، ووضحها.
( نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) القصص (3)
ومن جملة ما أبان، قصة موسى وفرعون، فإنه أبداها، وأعادها في عدة مواضع، وبسطها في هذا الموضع فقال: { نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ } فإن نبأهما غريب، وخبرهما عجيب.
{ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فإليهم يساق الخطاب، ويوجه الكلام، حيث إن معهم من الإيمان، ما يقبلون به على تدبُّر ذلك، وتلقِّيه بالقبول والاهتداء بمواقع العبر، ويزدادون به إيمانا ويقينا، وخيرا إلى خيرهم، وأما من عداهم، فلا يستفيدون منه إلا إقامة الحجة عليهم، وصانه اللّه عنهم، وجعل بينهم وبينه حجابا أن يفقهوه.
( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )
القصص (4)
فأول هذه القصة { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ } في ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته، فصار من أهل العلو فيها، لا من الأعلين فيها.
{ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا } أي: طوائف متفرقة، يتصرف فيهم بشهوته، وينفذ فيهم ما أراد من قهره، وسطوته.
{ يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ } وتلك الطائفة، هم بنو إسرائيل، الذين فضلهم اللّه على العالمين، الذين ينبغي له أن يكرمهم ويجلهم، ولكنه استضعفهم، بحيث إنه رأى أنهم لا منعة لهم تمنعهم مما أراده فيهم، فصار لا يبالي بهم، ولا يهتم بشأنهم، وبلغت به الحال إلى أنه { يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } خوفا من أن يكثروا، فيغمروه في بلاده، ويصير لهم الملك.
{ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } الذين لا قصد لهم في إصلاح الدين، ولا إصلاح الدنيا، وهذا من إفساده في الأرض.
( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) القصص (5)
{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ } بأن نزيل عنهم مواد الاستضعاف، ونهلك من قاومهم، ونخذل من ناوأهم. { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } في الدين، وذلك لا يحصل مع استضعاف، بل لا بد من تمكين في الأرض، وقدرة تامة، { وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } للأرض، الذين لهم العاقبة في الدنيا قبل الآخرة.
( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) القصص (6)
{ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ } فهذه الأمور كلها، قد تعلقت بها إرادة اللّه، وجرت بها مشيئته، { و } كذلك نريد أن { نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } وزيره { وَجُنُودَهُمَا } التي بها صالوا وجالوا، وعلوا وبغوا { مِنْهُمْ } أي: من هذه الطائفة المستضعفة. { مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } من إخراجهم من ديارهم، ولذلك كانوا يسعون في قمعهم، وكسر شوكتهم، وتقتيل أبنائهم، الذين هم محل ذلك، فكل هذا قد أراده اللّه، وإذا أراد أمرا سهل أسبابه، ونهج طرقه، وهذا الأمر كذلك، فإنه قدر وأجرى من الأسباب -التي لم يشعر بها لا أولياؤه ولا أعداؤه- ما هو سبب موصل إلى هذا المقصود.
فأول ذلك، لما أوجد اللّه رسوله موسى، الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الإسرائيلي على يديه وبسببه.
( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )
القصص (7)
وكان في وقت تلك المخافة العظيمة، التي يذبحون بها الأبناء، أوحى إلى أمه أن ترضعه، ويمكث عندها.
{ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } بأن أحسست أحدا تخافين عليه منه أن يوصله إليهم، { فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ } أي نيل مصر، في وسط تابوت مغلق، { وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } فبشرها بأنه سيرده عليها، وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم، ويجعله اللّه رسولا.
وهذا من أعظم البشائر الجليلة، وتقديم هذه البشارة لأم موسى، ليطمئن قلبها، ويسكن روعها، فإنها خافت عليه، وفعلت ما أمرت به، ألقته في اليم، فساقه اللّه تعالى.
(تفسير السعدي رحمه الله تعالى) وجدير بالذكر هنا أن قصة موسى ذكرت في القصص من الآية الثالثة حتى الآية الرابعة والأربعين لأهميتها في تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظة وعبرة لأمته وأنتقل الآن لتفسير المختصر في التفسير وتدبرسورة العنكبوت
﴿وَما هذِهِ الحَياةُ الدُّنيا إِلّا لَهوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ [ العنكبوت : 64]
وما هذه الحياة الدنيا - بما فيها من الشهوات والمتاع - إلا لَهْوٌ لقلوب المتعلقين بها ولعب، ما يلبث أن ينتهي بسرعة، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية لبقائها، لو كانوا يعلمون لَمَا قدّموا ما يفنى على ما يبقى.
- المختصر في التفسير
﴿فَإِذا رَكِبوا فِي الفُلكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُم إِلَى البَرِّ إِذا هُم يُشرِكونَ﴾ [ العنكبوت : 65]
ولمَّا سجل الله على المشركين تناقضهم؛ بإيمانهم بربوبية الله عندما يُسْألون عمن خلق السماوات والأرض، وكفرهم بألوهيته عندما يعبدون غيره، سَجَّل عليهم تناقضًا آخر هو إخلاصهم التوحيد عند الخوف من الغرق وعودتهم للشرك عند أمنهم منه، فقال: وإذا ركب المشركون في السفن في البحر دعوا الله وحده مخلصين له الدعاء أن ينجيهم من الغرق، فلما نجاهم من الغرق انقلبوا مشركين يدعون معه آلهتهم.
- المختصر في التفسير
﴿لِيَكفُروا بِما آتَيناهُم وَلِيَتَمَتَّعوا فَسَوفَ يَعلَمونَ﴾ [ العنكبوت : 66]
انقلبوا مشركين ليكفروا بما أعطيناهم من النعم، وليتمتعوا بما أعطوا من زهرة الحياة الدنيا، فسوف يعلمون عاقبتهم السيئة عندما يموتون.
- المختصر في التفسير
﴿أَوَلَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم أَفَبِالباطِلِ يُؤمِنونَ وَبِنِعمَةِ اللَّهِ يَكفُرونَ﴾ [ العنكبوت : 67]
أَوَلم ير هؤلاء الجاحدون لنعمة الله عليهم حين نجاهم الله من الغرق نعمة أخرى؛ هي أنا جعلنا لهم حرمًا يأمنون فيه على دمائهم وأموالهم، على حين أن غيرهم تُشَنّ عليهم الغارات، فيُقْتلون ويُؤْسرون وتُسْبى نساؤهم وذراريهم، وتُنْهب أموالهم، أفبالباطل من آلهتهم المزعومة يؤمنون، وبنعمة الله عليهم يكفرون، فلا يشكرونها لله؟!
- المختصر في التفسير
﴿وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُ أَلَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوًى لِلكافِرينَ﴾ [ العنكبوت : 68]
لا أحد أظلم ممن اختلق على الله كذبًا بأن نسب إليه شريكًا، أو كذب بالحق الذي جاء به رسوله، لا شك أن في جهنم مسكنًا للكافرين ولأمثالهم.
- المختصر في التفسير
﴿وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنينَ﴾ [ العنكبوت : 69]
والذين جاهدوا أنفسهم ابتغاء مرضاتنا لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيم، وإن الله مع المحسنين بالعون والنصر والهداية.
- المختصر في التفسير
هذا القرآن الكريم الكتاب المعجز الخالد إلى يوم القيامة في تدارس سوره وتدبرها وإمعان التأمل فيها ومجاهدة النفس في تلقي آياتها بالسمع والطاعة وجعلها وردا يوميا واتخاذها أسلوب حياة بذلك تتم سعادة الدارين والجزاء الحسن ويكتمل السلام الروحي والهداية وننال البركة والرشد والتوفيق
* بكالوريوس الآداب في الدراسات الإسلامية جامعة نورة بنت عبد الرحمن باحثة ماجستير في القرآن الكريم وعلومه جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية الرياض