نحو مجتمع أرقى... الراتب.. واقع مر
بقلم الدكتورة / نجوى مرضاح المري *
مع نزول أول راتب بعد القرارات الجديدة تجد الشعب ما بين منغمس في كتابة النكات وقلب الموازين وكأنها مسرح فكاهي وبين من هو شاكي متذمر ولا يرى في هذا الكون مصيبة كمصيبة الراتب . مابين ذا وذاك حقيقة واحدة وهو لابد من قبول الواقع فلا النكات ولا العويل سيغير من الواقع شيئا.
الشهر المنصرم كان شهرا عاصفا بالأخبار والتوقعات والاستياءات من جهة والسخرية من جهة أخرى نحو قرار إلغاء البدلات والمكافآت لموظفي القطاع العام. إلغاء المكافآت والبدلات يعني نزول الراتب إلى ما يقارب النصف أو أقل عند البعض مما يعني نزول عنيف غير متوقع لميزانية الموظف الذي لديه التزامات مالية وواجبات أسرية مما يجعله واقفا مشلولا أمام هذه الصاعقة غير المتوقعة ويبحث عن حلول لأزمته. نعم أزمة و ليست أزمة فردية ولكن أزمة كل موظف حكومي.
كانت التساؤلات كثيرة كيف ولماذا ونحن من أغنى دول العالم وكنا نحلم بمستقبل أزهى برؤية٢٠٣٠ والآن نصعق بواقع مؤلم. كان الشعب في تخبط ولكن كانوا يعلمون حقيقة هامة وهي هذا الوطن وولاة أمره كانوا ولازالوا دائما كرماء يعطون بلا حساب وأن هذه القرارات الصعبة ما هي إلى لمواجهة واقع أصعب ولكن كانوا أيضا يبحثون عن تبريرات ، حقائق ووقائع لتصبير أنفسهم.
وبالفعل عند حضور وزير المالية ، الخدمة المدنية و وكيل وزارة التخطيط والاقتصاد في برنامج لبحث هذه المسألة، الكل كان في ترقب لمعرفة خلفية هذه القرارات وبالفعل كانت الحلقة كافية لعرض موقف الدولة المالي الحالي مع نزول أسعار النفط وما يستدعيه من تقليص المصروفات الحكومية وكان كل مواطن حصيف غيور على وطنه رأي واحد وهو أن الدولة تمر في أزمه ونحن لا بد من الوقوف معها لتخطي هذه الأزمة . لكن للأسف ، تصريح وزير الخدمة المدنية أن إنتاجية الموظف السعودي أقل من ساعه كان كالقنبلة التي أشعلت الكثير ليتساءلوا كيف يكون إنتاجية الموظف السعودي أقل من ساعه ؟ ما هي الأسس التي قامت عليها هذه الدراسات؟ هل لأن أعداد الموظفين الحكوميين كبيرة أكثر من المهام المتطلب القيام بها ؟
إذا نعم، فهذا سوء توجيه وتخطيط من الخدمة المدنية أما إذا كان الجواب لا ولكن بسبب قصور الموظف السعودي وإهماله فهذه الدراسات متحيزة لأن هناك آلاف الموظفين بالقطاع العام من يعمل أكثر من الساعات المحددة له. ماذا عن المدرسين والمدرسات الذين يعملون اليوم كاملا لخدمة الوطن وتعليم أبنائه، فهذا وقتهم في المدرسة للتدريس وفي البيت تحضير وتصحيح فهل إنتاجيتهم أقل من ساعة وهم يعلمون الملايين من أبنائنا. ليتك يا وزير الخدمة لم تقلها أو أنك قلت بعض الموظفين في بعض الوزارات إنتاجيته ساعة أو أقل من الساعة ولا تعمم لأن التعميم قاتل للهمم العالية و يفتح أبوابا للمصطاديين في المياه العكرة ليجدوا عيبا في المواطن السعودي ويشاع عنه في الجرائد العالمية. ماقاله وزير الخدمة المدنية يذكرني بنظرية X وY للإدارة حيث X يفترض أن الموظفين مهملين وكسالى وأنهم يأتون للعمل من أجل المال فقط بينما نظرية Y تعني العكس تماما وتحت كل افتراض يتحدد نوع الإدارة والتعامل مع الموظفين إما تسلطية كما في X أو مشاركة وتفاعل كما في Y. على الرغم أن هذه النظرية أثبتت أن هناك قلة من النوع X, وزير الخدمة أضاف أن السعوديين قد يمثلون هذا الافتراض وأنه افتراض صحيح على أرض الواقع، للأسف.
مع كل هذا الأمور والشد والجزر هذه الأيام لا بد أن نتعلم شيئا مهما وهو أن نرتقي بأنفسنا عن التفاهات والقيل والقال ونفكر جديا كيف نخدم هذا الوطن المعطاء وكيفية التعامل برقي مع واقعنا الحاضر. لابد أن نتقبل التغيير ونحاول التأقلم بسرعة مع المستجدات الجديدة بدلا من التذمر والتشاكي. لابد أن نخطط ونبتعد عن العشوائية التي كنا فيه فلا بد لكل مواطن أن يخطط جيدا لمصروفاته وأن يضع خطة مالية شهرية لتقليص النفقات والتوفير أن أمكن، فكلما كانت الخطة محكمة و تطبيقها أيضا محكم كلما استطعنا الخروج من هذه الأزمة المالية بسلام ؛ قد تكون صعبة بالبداية ولكن تحقيقها ليس مستحيل. قد تكون هذه التغييرات الجديدة طريقة لتربية أنفسنا على الانضباط والتخطيط من جهى وعلى المرونة وتقبل التغيير من جهة أخرى.
وأخيرا أقول لكل مواطن سواء كان مسؤولا أو عاديا لا تكونوا جاحدين لوطن طالما بر بأبنائه.
*دكتوراه إدارة عامة وموارد بشرية
6 pings