قبس التنزيل من هدايات المئين و المثاني (١٥)
بقلم الأستاذة / مضاوي القويضي *
سورة يس هي إحدى سور القرآن الكريم التي ابتدأت بالحروف المقطعة والتي نتوقف عندها فنستشعر الإعجاز في اللفظ الذي عجز العرب ببلاغتهم عن تفسير سر تلك الحروف فكل ما يسعنا قوله إزائها أن نتوقف عند العظمة و المعجزة الإلهية الكبرى ونحمد الله أن يرزقنا كتابا خالدا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
وأشرع في تدبر سوره سورتي يس و الصافات وفق ما جاء في تفسير السعدي رحمه الله تعالى والمختصر في التفسير ( وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) يس (2)
هذا قسم من اللّه تعالى بالقرآن الحكيم، الذي وصفه الحكمة، وهي وضع كل شيء موضعه، وضع الأمر والنهي في الموضع اللائق بهما، ووضع الجزاء بالخير والشر في محلهما اللائق بهما، فأحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة.
ومن حكمة هذا القرآن، أنه يجمع بين ذكر الحكم وحكمته، فينبه العقول على المناسبات والأوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها.
( إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) يس (3)
{ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } هذا المقسم عليه، وهو رسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإنك من جملة المرسلين، فلست ببدع من الرسل، وأيضا فجئت بما جاء به الرسل من الأصول الدينية، وأيضا فمن تأمل أحوال المرسلين وأوصافهم، وعرف الفرق بينهم وبين غيرهم، عرف أنك من خيار المرسلين، بما فيك من الصفات الكاملة، والأخلاق الفاضلة.
ولا يخفى ما بين المقسم به، وهو القرآن الحكيم، وبين المقسم عليه، [وهو] رسالة الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم، من الاتصال، وأنه لو لم يكن لرسالته دليل ولا شاهد إلا هذا القرآن الحكيم، لكفى به دليلا وشاهدا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل القرآن العظيم أقوى الأدلة المتصلة المستمرة على رسالة الرسول، فأدلة القرآن كلها أدلة لرسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم.
( عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يس (4)
ثم أخبر بأعظم أوصاف الرسول صلى اللّه عليه وسلم، الدالة على رسالته، وهو أنه { عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } معتدل، موصل إلى اللّه وإلى دار كرامته، وذلك الصراط المستقيم، مشتمل على أعمال، وهي الأعمال الصالحة، المصلحة للقلب والبدن، والدنيا والآخرة، والأخلاق الفاضلة، المزكية للنفس، المطهرة للقلب، المنمية للأجر، فهذا الصراط المستقيم، الذي هو وصف الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ووصف دينه الذي جاء به، فتأمل جلالة هذا القرآن الكريم، كيف جمع بين القسم بأشرف الأقسام، على أجل مقسم عليه، وخبر اللّه وحده كاف، ولكنه تعالى أقام من الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة في هذا الموضع على صحة ما أقسم عليه، من رسالة رسوله ما نبهنا عليه، وأشرنا إشارة لطيفة لسلوك طريقه.
( تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) يس (5)
وهذا الصراط المستقيم { تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } فهو الذي أنزل به كتابه، وأنزله طريقا لعباده، موصلا لهم إليه، فحماه بعزته عن التغيير والتبديل، ورحم به عباده رحمة اتصلت بهم، حتى أوصلتهم إلى دار رحمته، ولهذا ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين: العزيز. الرحيم.
( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) يس (6)
فلما أقسم تعالى على رسالته وأقام الأدلة عليها، ذكر شدة الحاجة إليها واقتضاء الضرورة لها فقال: { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } وهم العرب الأميون، الذين لم يزالوا خالين من الكتب، عادمين الرسل، قد عمتهم الجهالة، وغمرتهم الضلالة، وأضحكوا عليهم وعلى سفههم عقول العالمين، فأرسل اللّه إليهم رسولا من أنفسهم، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فينذر العرب الأميين، ومن لحق بهم من كل أمي، ويذكر أهل الكتب بما عندهم من الكتب، فنعمة اللّه به على العرب خصوصا، وعلى غيرهم عموما. ولكن هؤلاء الذين بعثت فيهم لإنذارهم بعدما أنذرتهم، انقسموا قسمين: قسم رد لما جئت به، ولم يقبل النذارة، وهم الذين قال اللّه فيهم { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ
{ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) يس (7)
أي: نفذ فيهم القضاء والمشيئة، أنهم لا يزالون في كفرهم وشركهم، وإنما حق عليهم القول بعد أن عرض عليهم الحق فرفضوه، فحينئذ عوقبوا بالطبع على قلوبهم.
( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ) يس (8)
وذكر الموانع من وصول الإيمان لقلوبهم، فقال: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا } وهي جمع "غل" و "الغل" ما يغل به العنق، فهو للعنق بمنزلة القيد للرجل، وهذه الأغلال التي في الأعناق عظيمة قد وصلت إلى أذقانهم ورفعت رءوسهم إلى فوق، { فَهُمْ مُقْمَحُونَ } أي: رافعو رءوسهم من شدة الغل الذي في أعناقهم، فلا يستطيعون أن يخفضوها.
( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) يس (9)
{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا } أي: حاجزا يحجزهم عن الإيمان، { فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } قد غمرهم الجهل والشقاء من جميع جوانبهم، فلم تفد فيهم النذارة.
( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) يس (10)
{ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وكيف يؤمن من طبع على قلبه، ورأى الحق باطلا والباطل حقا؟!
( إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) يس (11)
والقسم الثاني: الذين قبلوا النذارة، وقد ذكرهم بقوله: { إِنَّمَا تُنْذِرُ } أي: إنما تنفع نذارتك، ويتعظ بنصحك { مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ } [أي:] من قصده اتباع الحق وما ذكر به، { وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } أي: من اتصف بهذين الأمرين، القصد الحسن في طلب الحق، وخشية اللّه تعالى، فهم الذين ينتفعون برسالتك، ويزكون بتعليمك، وهذا الذي وفق لهذين الأمرين { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } لذنوبه، { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } لأعماله الصالحة، ونيته الحسنة. (تفسير السعدي رحمه الله تعالى) وأنتقل الآن لتفسير المختصر في التفسير لتدبر أواخر سورة الصافات
﴿وَإِنَّ يونُسَ لَمِنَ المُرسَلينَ﴾ [ الصافات: 139]
وإن عبدنا يونس لمن رسل الله الذين أرسلهم إلى أقوامهم مبشرين ومنذرين.
- المختصر في التفسير
﴿إِذ أَبَقَ إِلَى الفُلكِ المَشحونِ﴾ [الصافات : 140]
حين فرّ من قومه من غير إذن ربه، وركب سفينة مملوءة من الركاب والأمتعة.
- المختصر في التفسير
﴿فَساهَمَ فَكانَ مِنَ المُدحَضينَ﴾ [ الصافات : 141]
فأوشكت السفينة أن تغرق لامتلائها، فاقترع الركاب لِيُلْقُوا بعضهم؛ خوفًا من غرق السفينة بسبب كثرة الركاب، فكان يونس من هؤلاء المغلوبين، فألقوه في البحر.
- المختصر في التفسير
﴿فَالتَقَمَهُ الحوتُ وَهُوَ مُليمٌ﴾ [ الصافات : 142]
فلما ألقوه في البحر أخذه الحوت، وابتلعه، وهو آت بما يُلام عليه؛ لذهابه إلى البحر بغير إذن ربه.
- المختصر في التفسير
﴿فَلَولا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحينَ﴾ [ الصافات : 143]
فلولا أن يونس كان من الذاكرين الله كثيرًا قبل ما حل به، ولولا تسبيحه في بطن الحوت.
﴿لَلَبِثَ في بَطنِهِ إِلى يَومِ يُبعَثونَ﴾ [ الصافات : 144]
لمكث في بطن الحوت إلى يوم القيامة بحيث يصير له قبرًا.
- المختصر في التفسير
- المختصر في التفسير
﴿فَنَبَذناهُ بِالعَراءِ وَهُوَ سَقيمٌ﴾ [ الصافات : 145]
فألقيناه من بطن الحوت بأرض خالية من الشجر والبناء، وهو ضعيف البدن لمكثه مدَّة في بطن الحوت.
- المختصر في التفسير
﴿وَأَنبَتنا عَلَيهِ شَجَرَةً مِن يَقطينٍ﴾ [ الصافات : 146]
وأنبتنا عليه في تلك الأرض الخالية شجرة من القرع يستظل بها ويأكل منها.
- المختصر في التفسير
﴿وَأَرسَلناهُ إِلى مِائَةِ أَلفٍ أَو يَزيدونَ﴾ [ الصافات : 147]
وأرسلناه إلى قومه وعددهم مئة ألف، بل يزيدون.
- المختصر في التفسير
﴿فَآمَنوا فَمَتَّعناهُم إِلى حينٍ﴾ [ الصافات : 148]
فآمنوا وصدقوا بما جاء به، فمتعهم الله في حياتهم الدنيا إلى أن انقضت آجالهم المحددة لهم.
- المختصر في التفسير
ذلك الكتاب المعجز الذي به أخبار الأمم السابقة وأحسن القصص قصص الانبياء والمرسلين الذين نستلهم من قصصهم والتي هي أحسن الحديث العبر والعظات والدروس فلولا أن كان ذو النون يونس عليه السلام من المسبحين يردد في دياجي بطن الحوت (لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ) للبث في بطن ذلك الحوت إلى يوم القيامة فهل من معتبر يا أولي الأبصار
* بكالوريوس الآداب في الدراسات الإسلامية جامعة نورة بنت عبدالرحمن باحثة ماجستير في القرآن الكريم وعلومه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض