قبس التنزيل من هدايات المئين و المثاني (١٧)
بقلم الأستاذة / مضاوي القويضي *
سأتناول شيئا من تدبر سورتي غافر وفصلت وغافر التي هي من الحواميم السبع قد ابتدأت بالإخبار بأن الله منزل المعجزة الخالدة ثم تلا ذلك مبدأ تربوي قرأني عظيم وهو الترغيب والترهيب وقبله الحروف المقطعة التي هي لشد الانتباه لما بعدها فأبدأ بما جاء في سورة غافر في تفسير السعدي رحمه الله تعالى وأختم بماجاء في المختصر في التفسير من تدبر سورة فصلت
( تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )
غافر (2)
يخبر تعالى عن كتابه العظيم وبأنه صادر ومنزل من الله، المألوه المعبود، لكماله وانفراده بأفعاله، { الْعَزِيزِ } الذي قهر بعزته كل مخلوق { الْعَلِيمِ } بكل شيء.
( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ )
غافر (3)
{ غَافِرِ الذَّنْبِ } للمذنبين { وَقَابِلِ التَّوْبِ } من التائبين، { شَدِيدِ الْعِقَابِ } على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها، { ذِي الطَّوْلِ } أي: التفضل والإحسان الشامل.
فلما قرر ما قرر من كماله وكان ذلك موجبًا لأن يكون وحده، المألوه الذي تخلص له الأعمال قال: { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله الموصوف بهذه الأوصاف أن هذه الأوصاف مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن، من المعاني.
فإن القرآن: إما إخبار عن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، وهذه أسماء، وأوصاف، وأفعال.
وإما إخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة، فهي من تعليم العليم لعباده.
وإما إخبار عن نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وما يوصل إلى ذلك، من الأوامر، فذلك يدل عليه قوله: { ذِي الطَّوْلِ }
وإما إخبار عن نقمه الشديدة، وعما يوجبها ويقتضيها من المعاصي، فذلك يدل عليه قوله: { شَدِيدِ الْعِقَابِ }
وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة، والاستغفار، فذلك يدل عليه قوله: { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ }
وإما إخبار بأنه وحده المألوه المعبود، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على ذلك، والحث عليه، والنهي عن عبادة ما سوى الله، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على فسادها والترهيب منها، فذلك يدل عليه قوله تعالى: { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }
وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل، وثواب المحسنين، وعقاب العاصين، فهذا يدل عليه قوله: { إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات.
( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ )
غافر (4)
يخبر تبارك وتعالى أنه ما يجادل في آياته إلا الذين كفروا والمراد بالمجادلة هنا، المجادلة لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل، فهذا من صنيع الكفار، وأما المؤمنون فيخضعون لله تعالى الذي يلقي الحق ليدحض به الباطل، ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال: { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } أي: ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب، بل الواجب على العبد، أن يعتبر الناس بالحق، وينظر إلى الحقائق الشرعية ويزن بها الناس، ولا يزن الحق بالناس، كما عليه من لا علم ولا عقل له.
(ماسبق من تفسير السعدي رحمه الله تعالى)
وأنتقل الآن لتفسير المختصر في التفسير لتدبر أواخر سورة فصلت
﴿لا يَسأَمُ الإِنسانُ مِن دُعاءِ الخَيرِ وَإِن مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئوسٌ قَنوطٌ﴾
[Fussilat: 49]
لا يملّ الإنسان من طلب الصحة والمال والولد وغير ذلك من النعم، وإن أصابه فقر أو مرض ونحو ذلك فهو كثير اليأس والقنوط من رحمة الله.
- المختصر في التفسير
﴿وَلَئِن أَذَقناهُ رَحمَةً مِنّا مِن بَعدِ ضَرّاءَ مَسَّتهُ لَيَقولَنَّ هذا لي وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِن رُجِعتُ إِلى رَبّي إِنَّ لي عِندَهُ لَلحُسنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذينَ كَفَروا بِما عَمِلوا وَلَنُذيقَنَّهُم مِن عَذابٍ غَليظٍ﴾
[Fussilat: 50]
ولئن أذقناه منا صحة وغنى وعافية بعد بلاء ومرض أصابه ليقولنّ: هذا لي؛ لأني أهل له ومستحق، وما أظن الساعة قائمة، ولئن فُرِض أن الساعة قائمة فإن لي عند الله الغنى والمال، فكما أنعم عليَّ في الدنيا لاستحقاقي ذلك ينعم عليَّ في الآخرة، فلنخبرنّ الذين كفروا بالله بما عملوا من الكفر والمعاصي، ولنذيقنّهم من عذاب بالغ في الشدة.
- المختصر في التفسير
﴿قُل أَرَأَيتُم إِن كانَ مِن عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرتُم بِهِ مَن أَضَلُّ مِمَّن هُوَ في شِقاقٍ بَعيدٍ﴾
﴿وَإِذا أَنعَمنا عَلَى الإِنسانِ أَعرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذو دُعاءٍ عَريضٍ﴾
[Fussilat: 51]
وإذا أنعمنا على الإنسان بنعمة الصحة والعافية ونحوها غفل عن ذكر الله وطاعته، وأعرض بجانبه تكبرًا، وإذا مسّه مرض وفقر ونحوه فهو ذو دعاء لله كثير، يشكو إليه ما مسّه منه ليكشفه عنه، فهو لا يشكر ربه إذا أنعم عليه، ولا يصبر على بلائه إذا ابتلاه.
- المختصر في التفسير
كتاب لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ذلك الكتاب لاريب فيه كيف لا ومنزله الله تبارك وتعالى
كتاب معجز لم يطاله التحريف والتزوير
حفظه الله تعالى من كل يد عابثة مضللة
[Fussilat: 52]
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين المكذبين: أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله، ثم كفرتم به وكذبتموه، فكيف سيكون حالكم؟! ومن أضلّ ممن هو في عناد للحق مع ظهوره ووضوح حجته وقوتها؟!
- المختصر في التفسير
﴿سَنُريهِم آياتِنا فِي الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ﴾
[Fussilat: 53]
سنري كفار قريش آياتنا في آفاق الأرض مما يفتحه الله للمسلمين، ونريهم آياتنا في أنفسهم بفتح مكة؛ حتى يتضح لهم بما يرفع الشك أن هذا القرآن هو الحق الذي لا مِرْية فيه، أَوَلم يكف هؤلاء المشركين أن القرآن حق بشهادة الله أنه من عنده؟! ومَنْ أعظمُ شهادة من الله؟! فلو كانوا يريدون الحق لاكتفوا بشهادة ربهم.
- المختصر في التفسير
﴿أَلا إِنَّهُم في مِريَةٍ مِن لِقاءِ رَبِّهِم أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ مُحيطٌ﴾
[Fussilat: 54]
ألا إن المشركين في شك من لقاء ربهم يوم القيامة لإنكارهم البعث، فهم لا يؤمنون بالآخرة؛ لذلك لا يستعدّون لها بالعمل الصالح، ألا إن الله بكل شيء محيط علمًا وقدرة.
- المختصر في التفسير
وأختم بقولي لن تجد كتابا في تطوير الذات يعلمك التوازن النفسي والموازنة بين الحاجات النفسية والروحية كهذا القرآن الكريم ولله المثل الأعلى كتابه المنزل كتاب السمو بالذات تبارك منزله تشبثوا به تنعموا ففي هجره الخسران والندم
* بكالوريوس الآداب في الدراسات الإسلامية جامعة نورة بنت عبدالرحمن باحثة ماجستير في القرآن الكريم وعلومه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض