من مذكرات حرامي سابق ..!!!
بقلم الأستاذ / أحمد النجار *
** تنبيه مهم :
الرجاء الانتباه لأغراضكم الثمينة - وغير الثمينة - عند قراءتكم لهذا المقال ..
** رحلتي :
كم كان رائعاً يومي الأول في وظيفتي الحكومية الجديدة ..!! ارتديتُ ثيابي الجديدة وانطلقتُ مُفعماً بالأمل والطموح ومتوشحاً بالتحدي .., لم أعرْ اهتماماً لوجه رئيسي المباشر الخالي من أي تعابير عندما سلمتُ عليه لأول مرة وعرفته بنفسي ..,جلستُ على مكتبي وبدأت رحلتي ..., بدأت أدرسُ كل شيء حولي وأدونُ كل ملاحظاتي في دفترٍ أخضرٍ صغيرٍ عندي , كنتُ ألاحظُ أموراً غريبةً تحدثُ ولم أعرها اهتماماً , لاحظتُ وجودَ مجموعة محدودة يهشُ لها المدير ويبش, ومجموعة أخرى يستقبلها بنفس وجه الموتى الذي يستقبلني به ..!! , ومع الوقت رأيت أن هذه المجموعة تملك من الامتيازات والصلاحيات مالايملكه الباقون , وأنها ( شلةٌ ) متماسكةٌ قويةٌ لايُطَبَقُ عليهم أي نظامٍ أو قانون ..!! وأنهم المقدمون في كل الأعمال الإضافية والانتدابات , ومالم يرغبوا به فهو يحولُ إلى مجموعة المُهمشين ليقع بينهم خلافٌ حاد بعد ذلك حول من الأحق بهذا الرجيع من غيره ؟!!., ثم تنبهتُ أن المجموعة الأولى هم عبارة عن السلبيين الذين لايرغبون الاصطدام بأحدٍ لأي سببٍ من الأسباب , بل ولاحظتُ أن بعض أفراد المجموعة الثانية أصبح يتملقُ لبعض أفراد المجموعة الأولى ليُحَسِنَ علاقته مع المدير ويمرر مايريد الحصول عليه من إجازة أو غير ذلك ..!! راقبتُ المجموعة الأولى فوجدتُ أن الأداء لديها عادي أو منخفض للغاية وأنها وفي كثيرٍ من الأحيان لاتلتزم بنظام العمل وقوانينه على الرغم من انتظامهم في الحضور وحرصهم على الدوام المُبكر والخروج المتأخر من الدوام ..!! وحضرتُ بنفسي مشاداتٍ بين بعضهم وبين مراجعين أو أصحاب علاقات في مشاريع دائرتي فيقوم هؤلاء بتهديدهم بالشكوى للمدير ويتبسم أعضاء المجموعة الأولى ويشيروا إلى باب المدير بكل ثقةٍ .., وفعلاً يتقدم المتظلمُ بشكواه للمدير ولجهاتٍ كثيرةٍ تُرجعها بدورها للمدير نفسه ..!! , وتمرُ الأيام ولايجد المشتكي صدى إيجابي لشكواه فيلملم خيبته ويرضى بما يخرجُ له من ذمة أحد أعضاء المجموعة الأولى ويقبلُ يدهُ شكراً وحمداً وينصرف ..!!! في أحد الأيام ناقشتُ بعض أعضاء المجموعة الثانية حول ملاحظاتي على المجموعة الأولى , وانطلقوا يتحدثون بغضبٍ شديدٍ حولَ مايحدث وأنهم صابرون لمصلحة العمل فحسب ..!! وانتهى الحديث دون أن أخرج منهم بفائدة غير أن الله سينتقم من هذه المجموعة الفاسدة المتسلطة إن عاجلاً أو آجلاً ..!!
وفي اليوم التالي لهذا النقاش لاحظتُ أن أعضاء المجموعة الأولى أصبحوا يقابلونني بوجهٍ جاف وتحية باردة هذا إذا ردوا التحية ..!! , وأن عملي بات مُراقباً وتأخري باتَ محسوباً وأن أوراق المساءلة لاتتأخر عني كثيراً ..!! وحتى المجموعة الثانية باتت تتحاشاني وتبتعد عني لأسباب لاأعلمها ..!!!
مررتُ بحالةٍ نفسية لايعلمها إلا الله , وحاولت تجاهل مايحدث ودون فائدة , فالأمر يزداد والضغط يشتد ولاأعلم لماذا كل هذا ؟!!
وفي يومٍ من الأيام دعاني المدير واستقبلني بوجه غاضب للغاية ووبخني على كثرة الملاحظات السلبية على أدائي في العمل ..!! فوجدتها فرصةً سانحةً لأشرح له وجهة نظري وأني درستُ العمل ولديَّ الكثير من المقترحات سيستفيدُ منها العمل كثيراً , وقد جمعتها في دفترٍ أخضرٍ صغير على مكتبي , واستأذنتهُ في إحضاره له , فأذن لي على مضض , فخرجتُ لمكتبي ولم أجد دفتري الأخضر الصغير فأحدهم قد سرقهُ ..!!! عدتُ إليه وأخبرته أني لم أجد الدفتر ولاأعلم أين ذهب ؟!! , فأجاب متهكماً وبغضب : لعله قد نبتت له أقدام وركض بعيداً عنك فلقد ملّ منك ..!! تبسمت ابتسامة عريضة لامعنى لها ، وكرر على مسامعي أهمية الأمانة وحفظها وروى لي آيتين عن الأمانة وثلاثة أحاديث شريفة ..!! وصرفني من مكتبه ..!! , بعد بضعة أيام تفاجأت بقرار نقلي لفرع بعيدٍ جداً بحجة الحاجة لي هناك ..!! حاولت كثيراً أن أمتنع عن النقل وأن أبرر وأن أرفع مايثبتُ ضرورة بقائي هنا بسبب حاجة أولادي لي وأبي المريض الذي أنا وحيده , وتقدمت بطلبٍ لمديري ورفضه ثم اشتكيتُ لأماكن عدة ٍ ودون جدوى وتم نقلي , وفي أول أيامٍ لي في عملي البعيد أُصبتُ بداء السكري , ومرتْ الأيام صعبة للغاية .., بعد فترة من اليأس والاحباط أحتاج الفرع لمشروع وكان الأمر عندي , وخطرت على بالي فكرةٌ شيطانية انهزامية , فسافرتُ إلى فرعي القديم وقابلت مديري القديم وعرضت عليه المشروع كاملاً وكل الترتيبات التي أنهيتها وأن مؤسسة زوجته تستطيع تولي هذا المشروع وسوف أمكنها من نيل المشروع بطريقتي الخاصة , فرح المدير كثيراً , وفعلاً تم الموضوع وربحتْ مؤسسة زوجته ربحاً عظيماً مقابل عملٍ ردئ التنفيذ ..!!
لم تمضِ فترةً طويلةً حتى أتتني ترقية جديدة على وظيفة في مدينتي في فرعي القديم وعدتُ إليه .., كم كان رائعاً يومي الأول بعد عودتي لفرعي القديم ..!! ارتديتُ ثيابي الجديدة وانطلقتُ مُفعماً بالمكر والحذر ومتوشحاً بالفساد .., واستقبلني مديري استقبال الفاتحين وانضممتُ بكل جدارةٍ للمجموعة الأولى وبات بعض أعضاء المجموعة الثانية يتملقونني ..!!! , ومضى الحال , وفي أحد الأيام وأنا أغادر وظيفتي متقاعداً تبسمتُ عندما شاهدتُ موظفأً جديداً وفي يده دفتر أخضر صغير يدون فيه ملاحظاته ..!!!
** وقفة :
هذه القصة هي من تأليفي بالكامل وليست قصةً حقيقةً البتة , ألفتها لأخبركم في النهاية أن الفساد إن لم يُلجم فسيأكل الأخضر واليابس , ودولتنا الحبيبة - رعاها الله وحفظها - لم تبخل بميزانيات ضخمة وبكل ماينفع البلد ويرتقي بها , وإن لم نكن جميعاً عون لدولتنا في محاربة الفاسدين والتصدي لهم وأن لانفعل كما فعل صاحبنا المُحبط في قصتي , فسيتحول الفساد إلى ثقبٍ أسود يلتهم وبكل شراهةٍ كل الميزانيات ويدمر البلد , فالفاسدون لايهمهم إلا أنفسهم فحسب ..!!
تفقدوا أغراضكم - أرجوكم - قبل أن تخرجوا من هذا المقال , فقد يسرقها أحدهم دون أن يشعر بنفسه فهو متلبسه جني فاسد ..!!