عقلية الأرنب ..!!!
بقلم الأستاذ / أحمد النجار *
لاأظنُ أحداً لم تمر عليه قصة ذاك الأرنب الكسول الذي هزمته سُلحفاة ؟!! هي باختصار قصةٌ عن أرنب دخلَ في تحدٍ للسرعة مع سلحفاة , فنام في الطريق ففازت السلحفاة في السباق ..!!
جميلةٌ هي القصة وعظيمةٌ هي أهدافها التي نريد إيصالها للطفل بشكلٍ مبسطٍ , ومنه : أنه مهما كانت قدراتك عالية وإمكاناتك ضخمة فهي لن تُغني عنك شيئاً مالم تكن نشطاً متحركاً تبذل الجهد لتحقيق أهدافك , وفي حال استسلامك للغرور والاستهتار فستخسر كل إمكاناتك ..!!.
ولكني سأطرحُ سؤالاً مهماً – بعد كريم إذنكم – ماذا لو أن الأرنب لم يستهتر ولم يصبهُ الغرور ولم ينم عن السباق وفازَ فيه ؟!! أرنبٌ سبقَ سلحفاة !!!
أي تحدٍ في هذا النصر وأي إنجازٍ وأي افتخارٍ في ذلك ؟!! وأي معانٍ خفيةٍ نُرسلها لأطفالنا دون أن نعي ؟!!, يظنُ البعضُ أن الطفل لايتنبه لهذه المعاني , وأن مايصله منها هو المعاني الظاهرة الجلية فقط والتي تحدثنا عنها في بداية المقال , وهذا كلام – واستميحكم العذر – ليس صحيحاً البتة , فالطفل مخلوق ذكي للغاية ومايفهمه من أحاديثنا وتعابيرنا وسلوكنا ومانخفيه حتى , لايتخيله عقل ..!!, الأرنب كان سخيفاً من البداية عندما سخرَ من السلحفاة وظنَ أن التفوق الحقيقي هو في قدرته التي وهبهُ الله إياها ولم يكتسبها بجهدٍ وبذلٍ وتضحيةٍ وعملٍ مستمر , وهذا معنى خطير لانتوقف عنده في القصة , مع أنه يستحق التوقفَ عنده كثيراً , ونحتاج أن نُخبرَ أطفالنا أن الأرنب أخطأ عندما تفاخر بما لم يصنعه بيده وأن أخطأ أيضاً عندما ظن أن سرعة العدو هي مقياس التفوق والتميز ونسي أنه جبان رعديد يخافُ من ظلهُ ..!!! وأن السلحفاة – على بطئها – تملك قدرات أخرى تفوق قدرات الأرنب بعشرات المرات , وأنها أيضاً أخطأت مرتين , مرةً عندما سمحتْ لسخرية الأرنب السخيف أن تؤثرَ في نفسيتها وتهز ثقتها بذاتها , ومرةً عندما وافقت على الدخول في سباقٍ غير متكافئ البتة , فأين سرعة الأرنب من زحفها ؟!! ونكرر نفس السؤال : ماذا لو لم ينام الأرنب ؟!! لكانت السلحفاة – حقاً – محل سخرية وانتقاص كل حيوانات الغابة طوال عمرها – الطويل جداً بالمناسبة - .., وهذا مايفعله بنا سماحنا لتقييم الآخرين بالعبث بنا وبتقديرنا لذواتنا فننسى كل شيء ونركزُ عليه وعلى اكتساب استحسانه ورضاه حتى ولو دخلنا في أمورٍ لاتليقُ بنا وستفقدنا الكثير من كرامتنا واحترامنا لأنفسنا ولن نكسب رضاه مهما حدث ..!! , كثيرون هم من يملكون عقلية السلحفاة تلك فيخسروا كل شيء دون وعي منهم ..!! وليست عقلية السلحفاة هي ماأريد محادثتكم عنه , بل عقلية الأرنب الذي في القصة .., فالسلحفاة في النهاية – ولمجرد الحظ فقط لاغير ودون جهدٍ حقيقي – أصبحت بطلة القصة والنموذج الذي يجب أن يحتذي به أطفالنا ..!! كُن سلحفاةً يابني , أسمح لأرنب سخيف أن يقيمك وأن يهز ثقتك بنفسك , ثم غامر مغامرة حمقاء وأدخل معه في سباق انتحاري لعله ينام فتفوز أنت في السباق لتصبحَ بطلاً ..!!! وجهزوا إجابةً – أرجوكم – لسؤال طفلكم : وإن لم ينم الأرنب ؟!!
أما عقلية الأرنب فهي موجودة في كثيرٍ ممن حولنا : فهم يفاخرون بقدراتٍ لم يكتسبوها بجهدهم ونشاطهم وتضحياتهم وبذلهم واجتهادهم , بل أخذوها وراثةً أو ( واسطةً ) أو لأسباب أخرى يعفُ قلمي عن ذكرها ..!! وفوق كل ذلك يسخرون ممن حولهم ولايقيمون لأحدٍ وزناً , متكبرون متعالون متغطرسون جهلة ..!!
ويظنون - وتلك ثالثة الأثافي - أن مالديهم هو الأصوب وهو الأصح وهو الأفضل وهو مقياس الحق والكمال .., حتى الدين العظيم عندما تحتكره هذه العقليات فهي تُمررُ لك منه ماهو عندها ومناسب لها وتحاول إقناعك أن هذا هو الدين الصحيح وماعداه فهو ترهات وأباطيل وأنك إن خرجت عن قولهم فأنت خرجت على الله جل في علاه ..!!
أصحاب عقلية الأرنب إن وصلوا للمناصب دمروها وأفسدوها وحاربوا المجتهدين المخلصين وشنوا حرباً على التطوير الحقيقي بتمثليات تطوير سخيفة سمجةٍ لاتُسمنُ ولاتُغني من جوع , أجمل منها تلك التي يكثرُ فيها ( منو ياينا هاالحزة ؟!! ) وأنفقوا المليارات على أهداف تشبه هدف الأرنب في الفوز على سلحفاة , وفوق ذلك ينامون عن السباق فتفوز السلحفاة ..!!
أحبة أحمد , تخيلتُ أن السلحفاة عندما سخرَ منها الأرنب تبسمتْ وتجاهلته تماماً , أو أنها وافقت على السباق , ولكنها اشترطت أن تحدد هي مسار السباق , وحددته طريقاً يقطعه في منتصفه نهرٌ ضخمٌ لابد من قطعه لإكمال السباق في ضفته المقابلة .., وتركت الأرنب يركض , وحتى إن وجدته نائماً توقظه ليكمل السباق , وعندما يصل الاثنان لضفة النهر ستقطعهُ السلحفاة بكل سهولةٍ ويُسر وسيكتشف الأرنب كم هو ضعيف ومتهالك ..!!
وختاماً : في ظني أن الأرنب لو كان قابلَ أرنباً مثلهُ ماكان استهتر ولانام , ولكن سخافة الهدف اضطرته لسخافة الأداء .., علموا أولادكم ألا يسخروا من أحد , ولايفاخروا إلا بماحققوه هم , ولايدخلوا في تحدٍ مع سلاحف ولاحتى مع أرانب , بل التحدي الحقيقي الذي يجب أن يخوضوه هو تحديهم أنفسهم , أن يكونوا اليوم أفضل منهم بالأمس وأن يكونوا غداً أفضل منهم اليوم ..!!