أزمة هوية
بقلم الأستاذة / سميحة القرشي *
نقف اليوم أمام أزمة هوية مُتفاقمة ؛ وقفنا عليها وقفة الحليم المُدرك لذلك الخطر المُحدِّق بنا نحنُ أهل الحجاز .. قبل عدّة أعوام أُطلِقَ تاق بل نحنُ الحجاز للتعريف بثقافة الحجاز الأصيلة ؛ ثقافة أبناء القبائل وليست الثقافة الوافدة ؛ فتلك الأخيرة مزيج من ثقافات تكونت في الآونة الأخيرة ورُسِّخت على أنها ثقافة حجازية !
أعجب والله من ذلك فثقافات متعددة أتت من خلف البحار أصبحت حجازية وثقافتنا نحنُ أهل الأرض ثقافة بدوية لا تمُت للحجاز بصلة ، أما ما كان من تاق ( هوية الحجاز ) أطلقناه للتعريف بثقافتنا الأصيلة من مأكل وملبس وفنون وتاريخ عريق لا يُحجب ؛ لكن المُفاجأة انهالت علينا حسابات سب وشتم وطعن وتحقير للعرب ؛ فماضي التحقير الذي أشرتِ له قد ابتدأتم به في وصفكم لنا بالبدو الأعراب وقطاعين الطرق ورعاة الغنم وما إلى ذلك من أساليب التحقير ، ناهيكِ عن تحريف الكلم عن مواضعهِ لحاجة في أنفس هؤلاء الشعوبيون ..
تساءلت حينها ؛ كيف رُسِّخت تلك النظرة الدونية ومن المسؤول عن ترسيخها ؟! وهل كانت الحجاز عدم قبل قدوم هؤلاء الأقوام من بلاد ما وراء البحار ليعلمونا الحضارة ! وقد فُتحت بلدانهم على أيدي أبناء الحجاز وتحدثوا بلساننا وتعلموا بلغتنا ؛ والأدهى من ذلك ادّعوا النسب الشريف ليكونوا منا ! ومع ذلك يقصوننا ليكونوا المكون الأساسي ونحنُ مُجرد فئة مُقدّرة في النسيج كما ذكرت الأخت هبة في مقالها ؛ وألتمس لها العُذر في ذلك قد تكون أخطأت التعبير ولن أقول تدبير ؛ لكن للتذكير " نحنُ النسيج بأكمله وأنتم الفئة المُقدرة التي يجب أن تحترم ثقافتنا وتذوب فيها " .
حاولت تجنب الرد لأنكِ كتبتِ وأنتِ في قرارة نفسكِ أننا أعداء يجب النيل منّا بتوجيه التُهم والانتصار ! فما بين المقال الأول والثاني خفت أسلوب الهجوم حيث وصفتينا بمجموعة لا أهمية لها وتجاهلها حل لكنكِ لم تستطيعي تجاهلها رغم عدم أهميتها ..!!
بيننا مثقفين وأكاديميين وعالية قوم حفظوا تاريخهم وثقافتهم وتقبلوا الآخر بصدرٍ رحب على مر سنوات ليست بكثيرة ازدادت فيها الوفود لأنها قبلة المسلمين إلا أنها لا تتحلل من صبغتها التي أنشأها الله عليها من عروبة وشهامة اختلطت بها دماء أجدادنا الصحابة رضوان الله عليهم ومن الواجب واللازم علينا استحضار إرثهم والاستئناس به لنحيي به صلة لم ولن تنقطع بهم ما دام الدهر بإذنه تعالى ؛ لكن تقبلنا لهم لا يُعطيهم الحق بانتهاك ثقافتنا ووضع ثقافات محلها وكأننا بلا ثقافة وبلا تاريخ !
يا أخت هبة .. نحنُ كالقافلة التي مشت لوجهتها فأرادوا قطع الطريق عليها وسلبها حقها فما كان من أصحابها إلا رد المُعتدي ..
إن أزمة الثقافة شاملة تطال جميع المجتمعات المراد استعمارها فتضرب على وتر الإرث والدين والعرق وتشكك في نوايا من أراد الحفاظ عليها وطالب بتوثيقها ؛ حتى لا تنهار وتحط محلها ثقافة دخيلة ترفضها الأرض .. تسطيحكم لقضيتنا ما هو إلا دافع الخوف الذي تلبسكم ولا أعلم ما كنهه ، نحن محكومون بدين وعادات وقيم أخلاقية مدينون لها لأنها سر بقاؤنا .
* كاتبة
5 pings