مونولوج
بقلم الأستاذة / خولة سامي *
دفءٌ خالص ناعمٌ ، روائح عطرية أحبُّها اعتدت عليها ، و بعد كوبٍ كبير من الحليب الدافئ المغطّى بالجوز أشعر بنشاط لا يوصف مع رغبة في السباحة ، تتمطط أعضائي مسترخية لتحصل على أكبر كم من الهواء ، أعرف عندها أن جرس القراءة يقرع نفسه ، أسمع صوتاً رقيقاً كأنه فِراشي الوثيرُ يترجرج ، يحكي لي قصصاً من كلّ صنف و لونٍ ، أظنه صوت أمي التي لم تترك شيئاً من ثياب أو ألعاب إلا اشترته من أجلي حتى حكايات ما قبل النوم أخبرتني عن تفاصيلها .
شرحت لي مئات المرّات أنها تُدعى ماما ، كلما مررت كفها فوقي أو حضنتني ، أتوقع أنّ ( ماما ) كلمةٌ جميلة لكن ماذا يعني هذا بالتحديد لا أعرف .
بعد قراءة اليوم غفوت مدة لأشعر هواء نقيّاً يملأ صدري فيه رائحة غريبة ، أعتقد بلا شك أنه ما تدعوه هذه المرأة حديقةً ، هنا كل يوم أستمع معها إلى الموسيقا يأخذها الطريق تصف لي كلّ شيء ، قالت لي يوما إنها لا تخشى أن يظنها الناس مجنونة و هي تتحدث وحدها ، رسمت لي صورة المكان بما أسمتها أشجاراً و أن لها لوناً أخضر و أصوات جميلة تملأ المكان تصدرها كائنات صغيرة تسمى العصافير ، و الأطفال مخلوقات صغيرة لطيفة تلعب تحت ما أسمته أشجاراً ، يشعرون بالسعادة أي كما يحدث معي عندما نشرب الحليب معاً أو نتناول الفاكهة .
أضافت إليهم صفة جديدة هي البكاء ، كما بيّنت لي أنها تعني صوتاً لا يشبه أصواتهم اللطيفة المعتادة ، مزعج قليلاً يرافقه ماء واخز مالحٌ من العين ، أعتقد أن البكاء يشبه ما تحسّه تلك المرأة بعد أن تطلب من شخص ما أن يسمح لها بمتابعة الأخبار ، سمعتها كثيراً تتحدث بصوتٍ لا يشبه صوتها الذي تحدّثني به كل يوم ، شعرت ملوحة في فمي و شيئاً حارقاً يلسع جسمي لا أستطيع بعده أن أحرك أطرافي كما أحبّ .
آخر مرة ضايقتني هذه الأشياء أمس ، سمعت شخصاً يحادثها و هي تنتفض مصدرةً صوتاً غريباً يجعلني أتنفس بصعوبةٍ فيوجعني دمي ، و ما حفظت من كلماته :
دعي الصّحف و التلفاز أرجوك ، مناظر الدمار و قتل الأطفال ، ذبحهم بوحشية ، التهجير و العذابات كلّها لا تناسب وضعك الصحيّ ، كلنا نتألم لكن إن لم ترحمي نفسك ارحمي صغيرنا الذي يقبع في أحشائك .. وضعك الصحيّ حرجٌ جداً .
أخاف أن الخارج سيكون بالنسبة إليّ مثل هؤلاء الذين تراهم أمي ، أنا سعيدٌ هنا ربما أتدبر أمري و أظلّ في مكاني ، لكن إن كنت المقصود بكلمات هذا الرجل ، فهذا يعني أن الطبيب أيضاً كان يشير إليّ منذ أيام عندما شعرت أمي بألم في خاصرتها ، قال :
الجنين في الوضعية المستعرضة ، في حال لم يغير هذه الوضعية ستحتاجين إلى عملية قيصرية !
* كاتبة وقاصة
6 pings