العيادات الجذابة
بقلم الكاتبة / خلود مفلح الحارثي *
في الآونة الأخيرة أثارت وزارة الصحة ضجة بتغييرها لمسمى العيادات النفسية بالمراكز الصحية إلى مسمى ( العيادة الإرشادية الشاملة) هدفاً منها لزيادة الجذب وكأنها تدعوا المراجعون لحفلة ما خشية إدراكهم بأنها (عيادة نفسية) مما أثار حفيظة بعض الأطباء والأخصائيين النفسيين والاجتماعين وكافة المهنيين المنتمين لهذا المجال في أن المسمى الذي طرح بالوسط الصحي والاجتماعي لم يكن موفقاً لعدد من الاعتبارات التي يراها المختصون وفق تخصصهم بل وأيضاً استنكر عدد من العملاء المراجعون لتلك العيادات لهذا المسمى وفق مواقع التواصل الاجتماعي ، وتعقيباً لما قامت به وزارة الصحة فهذا لن نغير الطابع الحقيقي للعيادة النفسية والمرض النفسي فجزء العلاج يكمن في تقديم الحقيقة وتوضيحها للمستفيدين كما أن هناك فوراق بين عدد من المختصين بنفس المجال نظراً لوجود مسارات علمية متعددة في هذا التخصص ونظراً للتطبيق المهني فعملية العلاج قد تتطلب لجان مشتركة لعدد من التخصصات فلا يصح تمييعها بمسمى شامل تحت ظل عيادة إرشادية فمسار الإرشاد يختلف عن العيادي وهكذا بقية المسارات ، أول ما تبادر لذهني في ظل المسمى وكأن هناك شيء يختبئ خلف العيادة لكي لا يرانا أحد ونصبح في وصمة العار الذي تلحق بالمريض النفسي في العهد القديم !! ، فحقيقة المرض النفسي لا تختلف عن حقيقة المرض العضوي بعياداته المختلفة وفق أجزاء الإنسان وأعضائه ؛ إذاً من المنطق أن تكون هناك عيادة نفسية بتحديد وتوضيح المسمى تهتم بالجانب النفسي وفقاً لانتمائها لذلك الإنسان الذي خلقه الله بصورة تكاملية لتهتم به على أساس علمي صحي ،فمنذ العصور القديمة والإنسان في صراع مع عقدة المرض النفسي والوصمة به وخشية الإصابة به رغم أن له مال لمرضه الجسدي نصيب فيه ، فحقيقة الأشياء لا تتغير بالاسم بل تتجدد وتتطور وفق الأفعال والتخطيط السليم لها ، أعزاءي القراء لو نراجع معاً الوصف المبالغ فيه قديماً بما يخص المريض النفسي والعيادات النفسية وأطبائها بوسائل الإعلام المتنوعة نجدها مخيفة مريعة مما جعلنا نصفهم جميعاً بطابع من الجنون وزرعت بعقولنا خوف من هذا المرض النفسي بل وأيضاً عدم تقبل المجال العلمي ودارسيه في ( علم النفس ) وكأنه شيء لن يجعلنا نعيش أسوياء والعكس منه تماما فالتعميم لغة الجهلاء واحدى التشوهات المعرفية عند الناس لن أنسى العقبات في دراستي له تحت نظرة الاستحقار، والازدراء، والاستخفاف به من قبل بعض أفراد المجتمع ، فرسمت لي خطاً لا رجعة فيه لمواجهة هذا الشيء الذي يخافون منه ولأثبت مدى أهميته لكل المحيطين بي وبالفعل ميدانياً تواجهت وجهاً لوجه مع حالات متنوعة الاضطرابات النفسية في تلك العيادات وكيف أنهم أشخاص لطفاء جديرون بالاهتمام والنظرة الفكرية الواعية عنهم دون سخرية وانتقاد جاءوا بعد أن تاهت بهم الحياة بمخارجها لكي يستعيدوا ما فُقد ويطوروا ما بقي وينمو بصحة نفسية كباقي البشر وليواصلوا حياتهم ويبنوا مكانتهم الاجتماعية باعتبار واثق الخطى ،ولكن حين فعلوا فبعضهم تناسوا أنهم كانوا من زوار العيادات وأخفوا تلك الحقيقة عن الوعي العام خشية ذلك الفكر الجمعي عن العيادة النفسية لقد قطعنا مسافة طويلة حتى نمحو آثار تلك المخاوف عند الناس بالتعريف عن العيادة النفسية ومن هم أصحابها ومن مرتاديها ومتى نحتاج إليها ومتى نستفيد منها لاستثمار طاقاتنا وقدراتنا إن غابت لفترة عنا ، فنحن لسنا بحاجة لتغيير المسميات نحن بحاجة لتخصيص المهنة وحفظ حقوقها وحقوق أصحابها وفق اطار حقيقي خلف المسمى بتطبيقات مهنية أكثر ملائمة لحاجة المجتمع وأفراده وتنفيذها بخطوات مدروسة أكثر من أن تكون عيادة شاملة نريد أن نتمثل بـ (غير تفكيرك تتغير حياتك).
* ماجستير علم نفس ، اخصائية نفسية ، عضوة في رابطة كاتبات الغد