أعمالنا أعمارنا
بقلم الأستاذة / سلوى بادبيان *
12 عشر بعد منتصف الليل ، ليلة باردة وجميلة وزاد جمالها اكتمال البدر في السماء ليبعث في الدنيا الضياء ،السكون عم المكان وكل شيء يوحي بالمنام
إلا اضطرابات قلبها تأبى المنام ،تتقلب ذات اليمين وذات اليسار
تحاول الهروب من ضجيج قلبها ،وعواصف بداخلها تأبى السكون
شيء ما يهز ثقوب قلبها هزًا هزًا ، تكابر كعادتها مجرد أرق عابر
تسمع همسا فتلتفت ، صوت الحنان ينادينها
بنيتي ألم تنامي بعد ؟ ما بك ؟
لا شيء يا أمي مجرد أرق عادي لا تقلقي ، وهي تخبئ خلف كلمة عادي الكثير من المشاعر الغير عادية ، فثمة نبض بداخلها لم تعتاد عليه .
تسير عقارب الساعة ساعة, اثنان, ثم ثلاثة ، ومازال النوم بعيد عن جفنيها .
تنهض من سريرها تقف تدور في الغرفة ، ثم تعود ثانية للسرير تضم نفسها كطفل في رحم أمه لعل ضجيج القلب يصمت لعل ثقوب القلب التي تخرج منها تلك المشاعر تسد .
ولكن هيهات ! هيهات !
الوضع يزداد سوءً .
تُمسك هاتفها تكتب رسالة ثم تمسحها
تقرر الاتصال ثم تعود عن رأيها تضعف فتنفجر بالبكاء
أنّى لتلك الرسالة أن تصل وقد فارق المرسل إليه الحياة وبات وحيدًا في ظلام القبور ، ثلاثة أشهر منذ أن خطف فُجأة الموت منها أقرب رفيقة بل توأم روحها دون سابق إنذار ، من وسط زحام الحياة وانشغالهم في التكاثر والتفاخر عبر الموت من بين أيمانهم وشمائلهم وفي وسط احتفال الأصدقاء بموائد الطعام والكل منشغل بتصوير ما لذ وطاب في السناب شعرت بثقل على كتفها ، هي ظنّت أنه إحدى مقالب صديقتها كالعادة فدفعتها بقوة فسقطت على الأرض بقوة أكبر وأحدث صوت ارتطام طاااااااخ
أصمت كل من حولها ثم اعتلى الصراخ والبكاء فقد أخذ الموت تلك الشابة الجميلة الصغيرة ولم يمهلها حتى لتقول كلمة الوداع .
ثلاثة أشهر مضت وعينيها لم تعرف المنام وكيف لها أن تنام وهي التي لم تعتاد النوم إلا على صوت رفيقة روحها و أحاديثها وضحكاتها .
كلما أغمضت عينيها تذكرت آخر حديث لصديقتها قبل الرحيل في أكثر مرة كانت جديّة فيها حين قالت لها أعمارنا أعمالنا والأيام تمضي فماذا قدمنا ؟ حينها سخرت منها ولم تلقي لكلماتها بالًا .
اليوم تبكي بكاء لا عويل له ليت لتلك الأيام تعاد فنعوض ما فات .
تحاول الهرب من مشاعر الحزن والخوف من القادم تُغمض عينيها فتسمع ذات المقالة بصوت صديقتها أعمارنا أعمالنا والأيام تمضي فماذا قدمنا ؟
فتفتح عينيها على صوت راديو القرآن والشيخ يقرأ قوله تعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)
فتصرخ صرخة توقظ معها أهل بيتها فلا حنان والدتها يسكن قلبها ولا عطف والدها يشعرها بالأمان ، تنهض من سريرها تتوضأ وتقف أمام الرحمن الحمد لله أنه مازال في العمر متسع أعدك يا خالقي أن أكون لك كما تحب وأعدك يا صديقتي أن أبقى وفية لك بالدعاء كما كان موتك صفعة أهدتني صحوة أحتاجها .
وفي في السجود شعرت بالأمان فغفت عينيها دون أن تشعر وارتاح وسكن الفؤاد .
(كل شيء إذا خفته ففرت منه إلا الله إذا خفته فررت إليه )
* كاتبة