قلبي يحتاجك يا الله
بقلم الأستاذة / سلوى بادبيان *
قبل عدة أعوام توفت والدة أقرب صديقاتي وكانت تعني لي الكثير , حينما كنت أعزي صديقتي قالت لي كلمات لم أنساها منذ ذلك الحين , قالت لي : في مغسلة الأموات شددت على بطني بشال عباءتي لأني شعرت فراغاً في بطني أو كالهواء بداخلي وأني لا أستطيع الوقوف فشعرت أن أريد أن اشدني بشيءٍ لأقف , صمتت هي وذات الإحساس التي كانت تمثله لي شعرت به ولم أعرف كيف أواسيها وكنت أحارب دمعة في عيني أن لا تنزل تبين ضعفي أمامها, أرشدني الله حينما عدت إلى المنزل أن أرسل لها رسالة أن هيّا نتدبر معاً سورة القصص ففي آياتها سلوة للقلب الحزين توقفنا حينها عند قول الله تعالى (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
فارغا = خالياً من كل شيء إلا هم موسى عليه السلام
حينها وجدت في هاذي الآية نفس إحساس صديقتي هي شعرت بفراغ في قلبها أعجزها أن تقف في مغسلة الأموات لترى فيها والداتها للمرة الأخيرة في الحياة ولو لا ربط الله على قلبها لانهارت , فكنت أقرأ هذه الآية وأبكي و أقرأها وأبكي لم أستطع إكمال السورة من شدة ما شعرت به ..
اليوم عدت لنفس الآية بعد أعوام أتساءل مع نفسي كيف ربط الله على قلب أم موسى لتلقى بطفلها في البحر ؟
وكيف يربط الله على قلوب أهل الموتى ليغسلوا موتاهم ويكفنوهم ويلقوا التراب على وجوههم في الوداع الأخير ؟!
كيف ربط الله على قلب والدة ذلك الشهيد الذي حينما جاءها خبر استشهاده زغردت فرحاً ؟!
فبدأت البحث على آيات ربط القلب في القرآن ومعناه :
ومن معاني الربط في اللغة الشد (وفعلا المصاب يحتاج الى شد قلبه بالسكينة والإيمان والطمأنينة ليتجاوز هذه المرحلة الصعبة من حياته)
قال الشيخ ابن السعدي رحمه الله في تفسيره :
( وليربط على قلوبكم ) أي : يثبتها , فإن ثبات القلب , أصل ثبات البدن
( وربطنا على قلوبهم ) أي : صبرناهم , وثبتناهم وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة , وهذا من لطفه تعالى وبره أن وفقهم للإيمان , والهدى والصبر والثبات والطمأنينة
( إن كادت لتبدي به ) أي : بما في قلبها ( لو لا أن ربطنا على قلبها ) فثبتناها فصبرت ولم تبد به .
فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت = ازداد بذلك إيمانه
ودل ذلك على أن استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف الإيمان .
الاستسلام التام لقضاء الله وقدره يولد لدى الإنسان قوة إيمان يهب الله من خلالها للعبد الربط على القلوب حال الإبتلاء (فراغ قلب الانسان من كل شيء إلا من الإيمان هو الذي يرفع قدرنا )
فالله تعالى أحيانا يمنحك قوة التحمل , وأحياناً يجعل مقاومتك هشة , تجد رجلا صامداً لأقصى الحوداث وأخر ينهار لأتفه الحوادث فمن الذي يعطي قوة التحمل ؟ الله جلا جلاله , من الذي يُفقد هذه القوة ؟ الله جلا جلاله
فالله تعالى يمكنه الربط على قلبك ويضمد جرحك مهما كثُر حولك الأحباب في المصاب وإن كان وجودهم سلوة للقلب ولكن لن يربط قلبك ويلم شعثه إلا الله , الله وحده قادر أن يحول إحساس الحزن الذي شل أركان قلبك جرّاء الفقد إلى حالة من الرضا والتسليم والسكينة والطمأنينة التي تهب لك القوة لإكمال الحياة .
قلها لنفسك دوماً كررها قلبي يحتاجك يالله , فأنا ضعيف دونك فقير عند بابك لا سيد لي سوآك
هب لي قلبي الأمان والسكينة والقوة لتحمل مصاعب هذه الحياة
وثق أن الله عز وجل ( لا يكلف نفسا إلا وسعها )
و أرى أن من أهم معادلات الربط حال الابتلاء قوة إيمانك حال الرخاء وصلاح قلبك تمنحك بفضل من الله الربط على قلبك في المصاب
فكما قال رسولنا عليه الصلاة والسلام( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )
اللهم اربط على قلوبنا وثبتها واملئها بالسكينة والرضى والتسليم
* كاتبة