العَشاءُ الأَخير ..!!
بقلم الأستاذ / أحمد النجار *
لايعني هذا العنوان أني سأتحدثُ عن عشاء عيد الفصح اليهودي ولا عن لوحة الفنان الإيطالي ليوناردو دافينشي والتي رُسِمَتْ في عام 1498 , ولا عن فيلم ( العشاء الأخير ) لميل غيبسون .., ولكني سأتحدث عن استراتيجية يلجأ إليها الكثير - ومنهم أنا - لتأخير قرار التغيير تحت غطاء يؤَمِن لهم نوعاً من الراحة النفسية في الاستمرار بالسلوك السيء الذي يمارسوه ..!!!
ولكي أشرحُ ماسبقَ أستأذنكم - حفظكم الله - بأن أضربَ لكم مثالاً من تجربتي الشخصية لهذه الاستراتيجية ( العشاء الأخير ) ..
اسمي أحمد النجار ولاأعلم في
أي مرحلة من مراحلِ حياتي بالتحديد بدأتُ انتقل من ( الحجم العادي ) في الوزن إلى الحجم العائلي (Family size ) ؟!! ولكني - ومن البداية - كنتُ متيقظاً للخطأ الذي ارتكبهُ في حقِ نفسي وأني أحفرُ قبري بأسناني ..!!!, وكعادتي عند مواجهة أي مشكلة , أقرأ عنها كثيراً , فقرأت عن السمنة وأسبابها وأضرارها وأفضل الطرق لمواجهتها والتخلص منها .., وعلمتُ أن الرياضة ليست حلاً أبداً في انقاص الوزن , بل إنها في مرحلة من المراحل تعتبرُ خطراً على الشخص المُصاب بالسمنة المُفرطة من نواحٍ عدة , وحتى كمية السعرات الحرارية التي نفقدها بالرياضة لاتكاد تُذكر مقارنة بالسعرات التي نحصل عليها من طعامنا ( نظراً لأن (0،45 كيلوغرام) من الدهون تعادل 3500 سعرة حرارية ، فإننا بحاجة إلى أن نحرق 3500 سعرة حرارية أكثر مما نستهلك لكي يكون بوسعنا خسارة (0،45 كيلوغرام) من وزننا . إذن ، إذا تخلينا عما يعادل 500 سعرة حرارية مما نستهلك في طعامنا يومياً، فسوف نخسر (0،45 كيلوغرام ) خلال أسبوع (500 سعرة حرارية × 7 أيام = 3500 سعرة حرارية). إلا أنه وبسبب التغييرات التي تطرأ على الجسم مع مرور الوقت، يتوجب علينا حرق المزيد من السعرات الحرارية لكي نخسر المزيد من الوزن...) فكل الذي تفعله الرياضة هي شد الجسم والحفاظ على الوزن شريطة أن يكون ذلك مقترنأً ببرنامجٍ غذائي منضبط ومدروس بعناية .., فالبرامج الغذائية العشوائية والتجارية تُسبب في كثيرٍ من الأحوال مايُشبه لعبة ( اليويو ) وهي اللعبة التي فيها إسطوانة مربوطة بحبل فتنزل وتعاود الصعود حتى تقف ..!!, فينزل الوزن ثم يعود ثانية , وهذا له أضراره ومخاطره الجسيمة على الصحة ..!!
على الرغم من معرفتي , قمنا بالاشتراك - صديق عمري أحمد السعيد وأنا - بمعظم النوادي والصالات الرياضية في مدينة جدة . , أذكر أن مرتين هي أكبر عدد حضور لنا في صالة من الصالات ..!!
وجربنا الكثير من البرامج الغذائية المختلفة , حتى أنني زرت مركزاً طبياً شهيراً في مدينة جدة , أعلنوا عن برنامج لإنقاص الوزن مع المتابعة الأسبوعية .., وعلى الرغم من مبالغتهم في المبلغ المالي الذي يأخذوه نظير هذا البرنامج إلا أني زرتهم وسجلتُ عندهم , وسأروي ماحصل كما حصل ..!!
جاء دوري فدخلت على اخصائية تغذية تُصر أن تُسمي نفسها دكتورة والناس يطلقوا عليها هذا اللقب , وعندما جلست أمامها تفاجأت بأني أقف وجهاً لوجه أمام زميلة لي في عالم الطعام والشراب , فهي سمينة للغاية ..!!! قلتُ في نفسي : لاينفعك في مشكلتك إلا من عانى منها وتجاوزت عن وزنها الضخم .., ثم سحبت ورقةً مصورة تصويراً رديئاً , مأخوذة من بعض المواقع التي زرتها مراراً على الشبكة العنكبوتية ..!!, وقالت لي بعد أسبوع سوف نقيس لك وزنك .., شاهدت الورقة فوجدتُ فيها أخطاء كبيرةً للغاية , وكنتُ أسألها عنها وكانت لاتُجيب .., وأكثر ماعجبني أن في الورقة يوماً مفتوحاً في كل أسبوع تستطيع أن تمارس فيه كل الخطايا في الطعام وأن تأكل أكل مودع ..., طويت الورقة بيدي على شكل أسطونة وقلت لها : ياأستاذة - لم استطع أن أقول لها يادكتور ...!!!- لم تبلغوا حد الاحتراف في النصب بعد , فالمفروض قبل هذه الورقة المضروبة أن تقيسوا وزني وضغطي والسكر في دمي وهل لدي أمراض معينة وبعض التحاليل الهامة , ثم تقوموا بفحص قلبي بقياس الجهد , ثم بعد ذلك تحددوا لي موعداً وتكتبوا الأوراق بعد سرقتها بأسلوب أجمل وتسلموها لي في ملف فاخر ...!!, بدأت تفلسف الأمر وتحاول إقناعي بأني على خطأ , أنهم على علم بالأصوب عن دراية وخبرة .., وكل الذي قلته لها : ابغى فلوسي ..!! ولم أغادرهم حتى أخذت مادفعته كاملاً ..!! وكافأت نفسي بعشاء فاخر في مطعمٍ بجوارهم ..!! ومرت التجارب والمحاولات على مر الأيام ووزني يزداد ودون جدوى ..!!!
وخلاصة كل هذا التي خرجتُ بها أن الإنسان إن كان يملك وقتاً ولايحتاج وبشكلٍ عاجلٍ أن يلجأ للعمليات الجراحية الحديثة والتي أثبتت نجاحها بشكلٍ مذهلٍ للغاية عند كثير ممن التزموا بضوابطها .., إن كان الإنسان يملك الوقت فكل الذي عليه أن يفعله أن يجعل مساعيه المؤقتة في انقاص وزنه والمحافظة عليه طريقة حياة له , وليست إجراءات مؤقتة , فيأكل من أكل منزله مع حرص على تقليل الكمية والابتعاد عن الاكثار من بعض العناصر واعتماد سياسة سليمة في تناول الطعام من حيث المضغ والوقت ..., وتحوله إلى شخص نشط كثير الحركة قدر المستطاع , ,إن أضاف رياضة خفيفة كالمشي أو السباحة فهذا مستحسنٌ للغاية ..!!
ماتريد إتقانه حقاً والنجاح فيه وتحقيق نتائج مذهلة فيه والاستمرار عليه , فقط حوله لطريقة حياة .., كل شيء , بدءاً بالقراءة ومروراً بتخفيض الوزن وانتهاء بالحُب ..!!
ولكن ماعلاقة استراتيجية ( العشاء الأخير ) بكل هذا ؟!!
تكونت عندي تلك القناعة ( فلسفة طريقة الحياة ) وبقي أن أبدأ بها , فأحدد ساعة الصفر , وهنا يبدأ الخداع والمكر ..!!!, فأقول من صباح الغد - بإذن الله - بطريقة حياتي الجديدة والصحية والمتوازنة .., ولكن اليوم ( هَبرٌ ) وغداً أمر ..!!! فأحرص على عشاء دسمٍ فاخرٍ فأتناوله , ثم لأن العرب تقول : إن في المعدة خلوة لا تملؤها إلا الحلوى , فأحرص على نوع من ( الحلا ) الغارق في السكر حتى أذنيه .., ثم أختمُ كل ذلك بمشروب غازي بارد ..!! وأقول هذا هو ( العشاء الأخير ) ..!!
ويأتي الصباح وأبدأ في طريقة الحياة , ثم يأتي أمرٌ لم يكن في الحسبان كدعوة مفاجئة أو ماشابه , فأتنازل عن هذه الفلسفة وأقوم بتأجيلها حتى المساء , ويأتي ( عشاء أخير ) آخر , ويأتي آخر وآخر وآخر ..!!!!
ولقد لخص الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين حالتي هذه في مقطوعته الرائعة والتي منها :
والله اني كل ماجيت ابابدا في ريجيم ***
تعترضني ( بوت او فو ) ماحسبت حسابها ..!!!
كل هذا لأني وقعتُ في فخ ( ساعة الصفر ) فمن يُحدد ساعة صفرٍ لتغيره فهو لن يتغير , كما أن من لايُحدد زمناً لهدفه فهو لن يحققه ..!!
استراتيجية ( العشاء الأخير ) ليست في انقاص الوزن فقط ..
فإن كنت مدخناً فلا تقل هذه ( السيجارة الأخيرة )
وإن كنت تمارس عادة سلبية فلا تقل ( هذه المرة الأخيرة )
وإن كنت مُقاطعاً لأمك أو أبيك فلا تقل ( هذه الليلة الأخيرة )
وإن كنت مهملاً عائلتك فلا تقل ( هذا اليوم الآخير )
وإن كنت مُغاضباً حبيباً فلا تقل ( هذه الساعة الأخيرة )
أقلع عن التدخين الآن , واهجر عاداتك السلبية فوراً , وارتمي على قدم أمك وأبيك الآن وقبلها , وتفقد حال عائلتك وكن معهم , واحتضن حبيبك واصطلح معه ..
فأنت لاتدري متى تكون ساعتك الأخيرة ..!!!
*** بوت او فو (Pot au feu ) ومعناها : القدر على النار , هي أكلة فرنسية دسمة - كالكبسة عندنا -
وهي مكونة من قطع من لحم البقر بجذور الكرفس وبعض الخضار ..
وهي أكلة ثقيلة مع أن المطبخ الفرنسي معظم أكلاته خفيفة , ويشتهر بالحلويات والمعجنات أكثر ..!!