بوح
(اليوم الأول)
بقلم الأستاذة / نوف بنت عبدالله الحسين *
بردان أنا تكفى
أبحترق أدفى
لعيونك التحنان
ولعيونك المنفى
بدر بن عبدالمحسن
كان الاستعداد لليوم الأول من المدرسة منهكاً .... غداً مدرسة .. ودرجات الحرارة منخفضة جداً.. أتى الفجر .. وبدأت طقوس الاستيقاظ والإفطار والاستعداد... تحركّ شيء ما بداخلي ... أمر لم أتوقع أن أقدم عليه .. تذكرت فصول الدراسة ومبانيها المتهالكة ... وبدأ الصراع داخلي ... هل أكون أمّاً صالحة وأجبر أبنائي للذهاب إلى المدرسة ؟.. وأعطيهم درس الحياة الذي لابد أن يتحملونه؟ ... وأن الحياة أحياناً تشبه هذا الصقيع؟ .. لذا عليهم أن يتحملوا قسوة الجو ويذهبوا هناك لتلقي العلم .. أم أكون أمًّا تغلبها العاطفة فترأف بأبنائها لتحرمهم من حضور اليوم الأول وتحرهم من شهادة تقدير لحسن المواظبة خلال العام ؟.. أخذت قرار الغياب.. ولا أدري إن كان السبب هو الجو او المبنى أو إحساس مباغت بالخوف .. وهل بالغت بإحساسي؟ .. ربما ...أخذ بي التأمل... وجرفني التأمل إلى الجنود المحاصرين ما بين العدو والبرد .. وإلى الفقراء المحاصرين ما بين الجوع والبرد .. وإلى المخيمات المحاصرة ما بين صدمة الحرب وصدمة البرد... وأبحرت كثيراً في تأملي أبحث عن الإجابات ولا أجدها ... ومن ثم عدت لتساؤلي الذي يلمسني في أقرب الناس إلي... ما الذي لا يجعل مباني مدارسنا كالمنشآت الرسمية صالحة في البرد والحر؟!.. لماذا لا تكون مهيأة بأبسط هذه المقومات وملاءمتها لظروف الطقس.. لماذا نوفّر للبالغين الجالسين في مكاتبهم كل سبل الراحة من مشروب دافئ وتدفئة وهدوء لإنجاز مهامهم .. ولا نفكّر بتهيئة المدارس بأبسط الحقوق .. ونتغافلها .. في أهم الأمور .. البنى التحتية للمدارس ... دورات المياه.. الفصول .. الساحات الخارجية المجردة من أي ترفيه حركي سوى من ملعب يتيم ... دون ألعاب حركية تبث الدفء في الأرواح والنفوس والأجساد... أفكّر حقًّا لما آلت إليه مدارسنا وكأنها معتقلات للطلبة والمعلمين في آن واحد .. فالمعلم أسير منهجه الذي ينسى أنه جزء منه .. فيصبح جافّاً داخل منهجه .. وآلة تلقين ... فرضت عليه سياسة التعليم المتوارثة بأن يكون بهذه الصورة إلا من رحم .. يؤدي ما يوجد بالمناهج وهو مثقل بهموم الحصص الثقلة وتزاحم الطلاب في فصله مما جعله لا يكتشفهم .. سوى المميز الذي يفرض نفسه والضعيف الذي يتوارى عن ضعفه .... تأملت حال طلابنا وطالباتنا وهم يجلسون على مقعد بارد ليقابلوا وجوهاً أكثر برودة.. ويتعاطون مناهج جافّة لا متعة فيها ... مليئة بالصقيع ومكدسة بهموم الواجبات التي لا تسمن ولا تغني من جوع سوى أمر نمطي آخر.. اعتدنا عليه .. وهناك سوط الدرجات المرهق ... ياااااه ..أتعبني هذا التأمل يا أبنائي ... أبنائي في المدارس ... أعتذر عنكم بالنيابة عن هذا البرد الذي يحاصركم من كل صوب .. وأعتذر عن تمردي لهذا اليوم .. لم أكن اليوم أمّاً صالحة .. لكني كنت ليوم واحد أمّاً عطوفة .. وأتمنى ان يكون هذا التمرّد هو الأول والأخير ... إنما لا أعد بذلك .. فقد يتسللني هذا الشعور يوماً .... لكم مني كل التقدير والاحترام لمواجهتكم هذه المعاناة المخفية يوميّاً ... شكراً لأنكم تتحملون ذلك .. شكراً لكم
* مشرفة تربوية ، كاتبة
2 pings