نحو مجتمع ارقى ... !! موقعة الكراسي
بقلم الدكتورة / نجوى مرضاح المري *
من سنين حينما كنت طالبة في مرحلة الدكتوراه في امريكا، كانت احد المهام الأسبوعية المتطلبة لمادة ادارة حكومات هو كتابة مقال من الواقع فكانت كتابتي في احدها عن البروقراطيه وضياع المساءلة. كتبت حينها كيف ان السعوديه وهي احد أغنى دول العالم تغرق مدنها من الأمطار؟ كيف ان المطر وهو نعمة تتحول الى نقمه بسبب سوء الادارة. رغم انني كتبت هذا المقال من سنين، لازالت المشكلة ، للاسف، قائمة الى الآن .
الكل يعلم ان هناك الكثير من مشاريع الصرف التي كلفت الدولة الملاين من الريالات والدولارات ولكن النتيجه هي محبطه وغير التي خُطط لها؛فلماذا؟ الجواب لان هناك تجاوزات واهمال من قبل المنفذين للخطط وسرقات لميزانية الدولة ولكن عند المحاسبة تجد انه لا يوجد احد مسؤول عن هذا الاهمال فكل جهاز يلوم الجهاز الآخر وكل مسؤول يبريء نفسه ويقدم كبش فداء.
في ذلك الوقت كنت الوم البيروقراطيه وكتبت مقالتي في تلك الأيام لانتقد نظرية البيروقراطيه لماكس فيبر الذي قدم نظريته ببراعة ليقول للعالم ان البيروقراطية هي الحل للمنظمات الكبيره لضمان الكفاءه والفاعلية والمسائلة الدقيقة لان البيروقراطيه بنظامها الهرمي الذي يضمن توزيع المسؤوليات و السلطات بدقة يكشف ايضا أين منبع الخطأ ومن المسؤول لمسائلته وإيقاع العقوبه المناسبه. حاربت البيروقراطيه وقتها وكأنها السبب في غرق جده وضياع حقوق المواطنين في ذلك الوقت لعدم وضوح من المتسبب الحقيقي.
اليوم، انا اذهب مع ماكس فيبر وأقول ان نظريته لا شك في فعاليتها ولكن العيب في كيف ومن يطبق النظريه.. بكلمات أخرى العيب فينا لأننا فقدنا قيمنا ونسينا اننا مساءلون امام الله اولا عما نفعل. فكل من تهاون وسرق ومرر وغض الطرف عن تجاوز ومرر عقد بملايين وهو يعرف انه يستحق فقط الافا معدوده تنفيذا لامر مديره او حتى يرضي نفسه اللئيمة فهو مسؤول امام الله عن هذه الملايين وعن هؤلاء الضحايا وعن الامانه التي وُضعت بين يديه وفَرَّط فيها. ومن جهة أخرى، اجد ان هناك أناس ينّظرون وينصحون ولكن حين يستلمون المنصب يتحولون لمدافعيين اقوياء عن أنفسهم وعن الكرسي الذي يجلسون عليه وكأن المصيبه تحولت من مشكله لابد ان يوجد لها حل الى " موقعة الكراسي" كلا يدافع عن كرسيه ويخاف ان يفقده.. نعم موقعة الكراسي كما أشار محمد الغرباوي
قوم تعشقت المناصب والكراسي قبلها
حتى تدافع عن مناصبها إذا قاربتها
لزمت كراسيها السنين كأنما لصقت بها
طافت حواليها الزمان كأنما خلقت لها
وضعت على تلك الكراسي الصلاب غراءها
فكأنما عار عليها ان تفارق جلدها
وكأنما ذنب عليها أن تصير لغيرها
فما نحتاجه هو قاده تنبع مسؤوليتهم من الداخل، يفكرون بالشعب لا الكرسي، يخافون الله في السر والعلن، يعلمون ان الكرسي لا يضيف للمرء شيئا ولكن هم من يجب ان يضيفوا بتصحيح الخطأ وتقويم الاعوجاج و يكونون قدوه لشبابنا للتوجه الى مجتمع ارقى.
4 pings