فِعلُ استِخراج
بقلم الأستاذ / عادل الدوسري *
كانت الكِتابة صديقتي الوحيدة، وكانت كل الحروف تخضع لقلمي وتنساق في أوراقي طواعية لمزاجي المتقلب، أكتب كيفما أشاء، وعلى الطريقة التي أشاء، كانت الكتابة صديقتي التي تجعلني أتباهى أمام الناس بحرفي الشامخ، ولم أكن لأفهم قول أحد القراء حين قال لي ذات يوم: (أحذر، فإن الكتابة سلاح ذو حدين!).
كنت مطمئناً أن الكتابة هي سلاحي الوحيد الذي لا يمكن له أن يخونني، وقلمي الذي يقذف حمم الحرف، لا يمكن أن يوجه فوهته نحو صدري، وعقلي، فلم أعر تلك الكلمة التي ألقى بها وهو غير آبه أي بال!
اليوم بعد أن مس الحزن قلبي، عرفت مرماه وأدركت مغزاه من تلك الكلمة التي ألقاها. إن الكتابة في ساعة الحزن ليست كالكتابة قبل ذلك. فالكتابة بعده تتحول من صديق يجملك أمام الناس إلى فعل تمارسه لترمي بالثقل عن كاهلك، إنها فعل استخراج!
وماذا تستخرج؟
إنك حين تكتب وأنت حزين، فكأنما فتحت للشاري والمتفرج صندوق أسرارك، وأخرجت من كينونة صمتك، ما تنطوي عليه من أوجاع، لكن ماذا أفعل؟ وأنا الذي لا أعرف صديقاً غير الكتابة؟ هل أوجه كتابتي؟ لا أستطيع!
فالكتابة عندما تتحول إلى فعل استخراج، تصبح هي المتحكم الأول والأخير في قلمك وحروفك، لا يمكنني بأي حال من الأحوال التظاهر، أو التجرد من مشاعري لأكتب، كما كنت أفعل، فسوف يتضح كذبي!
قال أحدهم: الحل هو أن تتوقف عن الكتابة، أجعل صمتك مستبداً؟!
فكرت بكلامه، ولم أنفذ!
لأنني حين فكرت شعرت بأن الحزن في صدري ينمو، وينمو، وينمو!
فعدت لأستخرجه، قبل أن (أنفجر)!
* كاتب ، روائي
1 ping