ضفاف الأحد
الصكوك
بقلم الأستاذ / محمد بن ربيع *
أتذكر اليوم مسرحية قدمتها في أول تطبيق تشهده الباحة لبرنامج الترويح السياحي، البرنامج الصيفي كما كان يسمى، حظي ذلك العرض بحضور جماهيري واسع في كل عروضه الثلاثة، كما حظي عرضه الرئيس بحضور رئيس بلدية الباحة ونائبه ورئيس بلدية بيشة.
تروي المسرحية قصة رجل أعمى قضى في سجن العمى معظم عمره، أخذه أولاده إلى العاصمة حيث مستشفى العيون حديث النشأة وهناك عاد له بصره، غير أنه صُدِم تماما بعد عودته وتمنى لو بقي بلا بصر حتى لا يرى العار الذي لحق بمزارعه.
تلك المزارع الخصبة التي كانت تمنحهم حبّا وعنبا وقضبا قد طغى عليها العمران، ابتلعها الاسمنت في غفلة من عينيه، وبعد ان كان منها قوتهم وفيها معاشهم ها هم قد انحرفوا عنها إلى استراليا وكندا وغيرهما من محاضن الزاد في الأرض.
قال الأبناء وقد خجلوا وحزنوا: بنينا في الأرض الزراعية لأن الحصول على صكّ لها أسهل منه في الأرض الجبلية، والصكّ باب القروض العقارية، والقروض باب البناء، وليس في مقدور أحد أن يستخرج صكا لأرض جبلية إلا في حالات قليلة.
في الليلة التالية فوجئت بزيارة ودية من المهندس محمد حمدان رئيس بلدية الباحة يومها، ومعه نائبه الأستاذ ابراهيم عباس ومعهما الأستاذ محمد بن سعد فيضي رئيس بلدية بيشة آنذاك، رحمهم الله رحمة الأبرار وعفا عنهم أجمعين فقد غادروا دنيانا الفانية إلى الدار الآخرة.
ابن فيضي أديب وصحافي وصديق عمر، وابن عباس كان زميلا في تعليم الباحة، أما المهندس فما كنت أعرفه شخصيا، فرحت بزيارتهم، خيّرتهم بين المجلس وبين مكتبتي فاختاروا المكتبة، عرضت عليهم مقطع فيديو "طهار رئيس البلدية" من مسرحية شقائق النعمان، ضحكنا كثيرا وتحدثنا طويلا لكن الأنظمة تظل أنظمة.
* كاتب ، وروائي سعودي