فكاهيات المثل الشعبي
بقلم الأستاذة / فاطمة البلوي *
المثل الشعبي ثقافة تعبيرية عفوية مشبعة بالتجارب, طوعها المجتمع ببضع كلمات أدبية, غارقة في المعاني, بسيطة العبارة, ولها دلالات سهلة الفهم للعامة والخاصة, وأهداف اجتماعية سهلة الوصول للمتلقي, وتخضع هذه الأمثال للمناسبات التي تمر على المجتمع, لتجد طريقا لتذكيرهم, وتوجيههم, وتحذيرهم بالتجارب التي تضمنها المثل الشعبي.
أجد في الأمثال الشعبية ذات السبغة الفكاهية موضوعات شيقة يتركها المثل الفكاهي في نفوس المجتمع, ومدى تأثيره عليهم, حيث يتخذ في بعض الأحيان من الشخصيات التي لا يرغبها المجتمع بطلا رئيسيا, حيث لطرح الأمثال الشعبية عدة أشكال, منها ما يبعث على التندر والتفكُّه بين الناس, ويحمل مضمونا توجيهيا, للتحذير من مغبة الشروع في بعض الأمور التي يقدم على فعلها الناس استهتارا أو تعمدا ويكون لها تبعات غير محمودة, فقدم السابقون لهم التجارب التي مروا بها على هيئة عبارات قصيرة تختزن مضامين وأهداف واسعة, ووجدت هذه الأمثال لدى المجتمع تقبلا ورواجا فتناقلوها بينهم بطريقة فكاهية بسيطة تبعث على القهقهة و الضحك, ما ضمن بقاؤها حتى وصلت للأجيال التالية, وتجد الأمثال في المناسبات موسما للطرح ومنها ما يردده العامة في هذه الأيام متقلبة الأجواء ومنها:
(بياع الخبْل عباته)
يردد هذا المثل في المملكة ودول الخليج العربي, خفيف النطق, عميق المعنى والهدف. والخبْل: كلمة دارجة عند أغلب سكان الجزيرة العربية بمعنى (المعتوه), طوعوه في المثل لحرص الناس من الوقوع في هذه الشخصية التي تبعث على تهكم الناس بها, وهو مثل بقالب فكاهي, يحمل التجربة في حقيقة هذه الأيام التي نعيشها من الأجواء المتقلبة والخادعة, فنلبس الخفيف من الملابس بسبب الشعور بالحر, حتى تجعلنا نطمئن لرحيل الشتاء, ونفرح بعد عناء أشهر واجهنا فيها هبوب الرياح الباردة, لنجد أن البرد قد عاد مهاجما أجسادنا الجاهزة للهزيمة, لتجد أمراض البرد طريقها إلى أجسادنا بكل سهولة, فجاء المثل محذرا ومنذرا بشخصية الخبْل (المعتوه) وبصورة فكاهية في ظاهرها المرح, وفي باطنها التحذير, فحفظته الذاكرة الشعبية وعشقه الأجيال, وصمد أمام مصطلحات العولمة, وبقي بصورته وطعمه الشعبي.
(المعاريس اثنين والمجنْن ألفين)
المجنْن :بشد النون الأولى وسكون النون الثانية, أي من أصابهم الجنون, ويقصد المثل بهم المعازيم الذين لا دور لهم غير الحضور, وحسب اعتقادي انه مثل قريب العهد, فقد غير العصر الحديث والتطور المفاجئ الكثير من عادات المجتمع, وشوه صورة الموروث الشعبي, فأصبحت احتفالات الزواج مستنسخة من بعضها, يعم جوها البذخ والتماري, عدا ما يصاحب الاحتفال من خروج عن جو الفرح لجو التنافس, فيما يقدم في الاحتفال, الذي يكلف العريس والمعازيم مالا داعي له, وأرهق المجتمع دون داع , خصوصا عند النساء, وأصبحت الزحمة سمة احتفالات الأعراس, ولأن للمعازيم قديما دورا رئيسيا, بما يقدمونه من إعانة للعريس, فضلا عن إقامة الفنون الشعبية على أصولها, فكانت احتفالات الزواج قديما اجتماعات شعبية حفظت الأصالة والهوية, ويحكم الحضور عادات يلتزمون بها, ما يجعل حضور المعازيم من اساسيات الزواج قديما, والمثل الشعبي أعلاه يدعو في مضمونه الاختصار في اقامة الحفلات, والدعوات, التي لا تجلب وراءها غير ويلات الديون للعريس وأسرته . يقابله المثل المصري الذي يأخذ نفس الهدف في المثل الشعبي السابق ( العروسة للعريس والجري للمتاعيس)
وأخيرا هذا البيت الشعري:
هذا مقيلك يا الظبا والا مقيلك يا الأداريم
والا مقيل التوين أبو عيون مسهسهات
الاداريم : سمك الهامور
التوين: سمك الهامور ذو الحجم الكبير
مسهسهات: ذو الجفون المتراخية
الأمثال حين تقع في النفس موقع الفكاهة, فإن المضمون لاشك سيجد طريقا للفهم, فهي تحمل الحكمة, والهدف, بقصة مرحة, تغرس في النفس مضامينها, وهو ما جعل للمثل الشعبي شيوعا بين العامة والخاصة في سهولة طرحه.
* كاتبة ، وأديبة سعودية