من يقتلعُ الضوضاء من رأسي؟
بقلم الأستاذ / عادل الدوسري *
الكتابة بحد ذاتها ليست مشكلة.
إن المشكلة هي في مرحلة ما قبل الكتابة، فتلك الضوضاء الكامنة في المسافات الفاصلة بين الجُرح والفكرة وصولاً حتى الكتابة، هي الأذى وأمُ الأذى!
إن الكتابة ليست إلا نزيفاً ناجماً عن انزعاج الكاتب من ضوضاء و "شوشرة " تعبران في خلده، والمصيبة العظمى هي أن نكتب ثم لا نشعر بعد كل ذلك العناء بأي تحسن، فإما أن يكتب الكاتب بطريقة الكتابة المتجردة التي يتخلى فيها عن كل ما يرتديه من "وجوه" وأفكار يقبلها المجتمع، ويواجه المجتمع و "الحياة" بالحقائق العارية من أرديتهم، وإلا فلن تزيده الكتابة إلا أذى وضوضاء لا تصمت في رأسه المُغلق!
ولا أزعم أنني أدعو هنا إلى الكتابة على الطريقة "البوهيمية" ولكن أدعو لمزيد من حرية الكلمة، والقراءة المتجردة التي لا تُلبس الكاتب بتهمٍ لم يقترفها حتى في نواياه السرية جداً..!
قبل نصف الأذى؛ كان الحرف هو الأقدر والأجدر والأمثل والأكمل للعبور حيث ضفة الهدوء، وبعد انتصاف الأذى لم يعد الحرف إلا هدراً من ميزانية الكلام العامة!
فلا يُستطب به، ولا يُحدث في بالون الفكرة المنتفخة بالضوضاء أي ثُقب يجعلني بانتظار "انفجارها الأبدي" في رأسي! وإنه من المؤسف حقا أن تكون الإبرة أضعف من بالون بلاستيكي واهن، وحتى أكون منصفاً أكثر، وصريحاً مع نفسي فإني أسأل هُنا... أين هي الإبرة؟ لم يعد هناك ثمة إبرة، بينما بالونات الضوضاء تكثر وتكبر ولا تنفجر، وها أنا ذا مُتخمٌ بفكرتي المؤذية وتفرعاتها العديدة!
في زمانٍ مضى:
كنت آوي إلى حرفٍ مُستعار من كتب القصيبي والسمان، أو أحلام مستغانمي ومحمد حسن علوان، وأقرأ لنجيب محفوظ وطه حسين وإحسان عبدالقدوس، فيستطيع أحدهم أن يلامس ما لم أستطع قوله، أو ما خانتني جُرأتي بشأنه، ولكن المصيبة العظمى هي أن بعضهم غادروا الحياة برمتها وتركوا خلفهم صرخات بلا أصوات، وبعضهم أحجم عن الكتابة فتركوا في إحجامهم تضرعات الحزانى، والبعض الآخر ينتظرون الإلهام وهذه مأساة المآسي أن تكون على قيد الانتظار؛ وأنت حزين جداً..!
الضوضاء تزداد،
ولستُ الآن أقرأ، ولستُ حتى أكتُب!
كاتب صحافي - روائي