التنمية السليمة في النسيج الاجتماعي السليم ..!!
بقلم الأستاذ / أحمد النجار *
عنواني جاء على غرار العقل السليم في الجسم السليم , وكذلك – وهذه حقيقةٌ لاشك فيها – فإن التنمية السليمة في النسيج الاجتماعي السليم ..
من يرجعُ إلى شريعتنا العظيمة يجد أن الاهتمام بسلامة النسيج الاجتماعي كان من أهم الأمور التي ركزَ عليها الإسلام واعتنى بها اعتناءً فاق كل حَد , فنبذ وحَقَرَ العنصرية بكافة أشكالها وألوانها , وحارب الطبقية المرضية , عندما فرض الزكاة وحث على الصدقة ورغبَ الأغنياء بالالتفات للفقراء وعدم نسيانهم وإهمالهم , ولو أردنا سردَ الأمثلة على ذلك من الكتاب والسنة لكتبنا في ذلك صفحات وصفحات ..
كل هذه التشريعات والتنظيمات إنما جاءت للمحافظة على نسيجٍ اجتماعي سليم وصحي ومتماسك ومرنٍ , يستطيع أن يحتوي جميع عناصره ومكوناته أياً كانت ألوانهم ومناصبهم وأصولهم وحالتهم المادية وحتى مذاهبهم وأطيافهم الفكرية , كل ذلك بآلية ذكية تحفظُ لكل عنصرٍ مكانته وتعطيه كامل حقوقه وتطالبه بأداء كامل واجباته .., فالنسيج الاجتماعي الإسلامي كان يحوي حتى يهوداً ونصارى , وكانت عليهم واجبات والتزامات مطالبون بإتمامها ولهم حقوق لايجوز هضمها ومنعها ..
وأي مجتمع يُصابُ في نسيجه الاجتماعي فهو مجتمع يسير بكامل سرعته نحو دماره وتفكيكه , ونهايته حتمية لاشك فيها , مهما بلغت قوته وغناه وعلمه , ولن تنفع معه أي خطة لتنميته والارتقاء به والحفاظ عليه ..!!
بعد هذه المقدمة سأدخلُ فوراً إلى قلب مقالي فأقول :
كان أخي وسيدي وعطر فمي المهندس محمد النجار – حفظه الله ورعاه – دائماً يقولُ : معظم من يمارسوا الانتقاد هم – وعلى الحقيقة – أكثر الناس جهلاً بماينتقدون ..!!
وهذه حقيقةٌ أثبتتها لي الأيام والتجارب , فعلى سبيل المثال : من ينتقد بعض قرارات حكومتنا – وفقها الله لكل خير – لو ناقشته لوجدته لايعلم كثيراً من حيثيات وأسباب إقدام الحكومة على هذه القرارات , فرؤية الحكومة أشمل وأعمق , وهم يعلموا خبايا وخفايا لايعلمها الكثير , ولديهم الصورة واضحة بكل تفاصيلها وأبعادها , ويملكون عمقها التاريخي ووضعها الحالي وتوجهها المستقبلي .., وهم يتخذون القرار بناءً على مصلحة جميع مكونات المجتمع قدر المستطاع , مقدمين الأولوية في المصلحة ..
وعلى الرغم من يقيني هذا إلا أني ألتمس من صُنّاع القرار في بلدي أن يعملوا جاهدين على الحفاظ على نسيجنا الاجتماعي وحمايته , ويضعوا نصب أعينهم هذا الهدف السامي النبيل عند اتخاذ أي قرار ..
فنسيجنا الاجتماعي مكون من عنصرين كبيرين : السعوديون والوافدون ..
وكلا الاثنين يطلق عليهما اسم مواطن , فالمواطن هو من استوطن مكاناً واتخذه سكناً واستظل بسمائه .., ونسيجنا الاجتماعي لابد أن نعمل جاهدين على أن يكون صحياً مرناً حاوياً كلا العنصرين ناشراً بينهما المحبة والألفة والتواد والتراحم والتقدير والاحترام .., صحيح أن للسعودي الأولوية في كل شيء لأن هذه هي بلاده وأرضه وهو مستحق لأن يعيش فيها مكرماً معززاً ضامناً مستقبله الوظيفي وآمناً على أسرته وكافة تفاصيل حياته , ولاضير في ذلك البتة , فكل بلدان العالم تعمل على تقديم شعبها بداية مع المحافظة على مواطنيها من غير شعبها قدر المستطاع ..
وبناءً على ذلك , فلا بُد أن تقوم حملات جادة ومدروسةٌ بعناية للقضاء على العنصرية بكافة أشكالها ومستوياتها عند المكون الأول – السعودي – وإيقاف أي نشاط أو فكرٍ أو منبرٍ – حتى ولو استتر بالدين – يقوم بنشر العنصرية وتأجيجها , فلا شيء يمزقُ نسيج المجتمع ويقضي على كل خطط تنميته في مهدها مثل العنصرية البغيضة .., وكذلك لابد من ترشيد الطائفية والمذهبية وحصرها في نطاق ضيق قدر المستطاع , كما أن القرارات لابد أن لاتتسبب – بأي حال من الأحوال - في نشوء طبقية مرضية تحول المجتمع إلى أغنياء غنى فاحش أو فقراء فقر مدقع وتمسح الطبقة المتوسطة من الوجود .., كما لابد أن تتحرك الجهات المسؤولة جميعها لوقف ثقافة التناحر الفكري ونبذ الآخر , وفلسفة إن لم تفكر بعقلي فأنت إما زنديق مارق فويسق , أو ظلامي متأخر متخلف , حتى ولو كان عقلي سقيماً وتفكيري قاصراً ورؤيتي لاتتجاوز شبراً أمامي ..!!
أما على مستوى العنصر الثاني من عنصر نسيجنا الاجتماعي , وهم الأخوة الوافدون , فنقول لحكومتنا الرشيدة – أدام الله عزها – نحن نثمن جهودكم ونُقَدِرُ ما تقومون بهِ من تنظيمات أمنية واقتصادية , وأظن كل أخ وافدٍ عاقل منصف يعلم أن ما تقومون به إنما هو لمصلحة البلاد وحفظ أمنها بكافة أنواعه , ولكننا نهمس في آذانكم همسة محب حريص مُشفق , حافظوا على النسيج الاجتماعي حتى وأنتم تنفذون هذه القرارات , ولاتضعوا الجميع في سلةٍ واحدةٍ , ولاتحاولوا حل مشاكل تراكمت منذ عقود في فترة وجيزة بسيطة ..!!
فكثيرٌ من الأخوة الوافدين لهم إسهامات عظيمة في بناء وخدمة هذه البلاد , وقد قدموا الكثير كلاً في مجال عمله , حتى وإن كان بالأجر , فلا أحد يعمل بالمجان حتى ولو كان سعودياً , إلا من تطوع خيراً وهم قليل في مجالات قليلة , فكثيرٌ منا – كسعوديين – ندين بالفضل ونحفظ المعروف لكثير من الأخوة الوافدين في مجالات كثيرة كالتعليم والصحة وغير ذلك كثير ..
فهل يُعقلُ أن نُعامل أمثال هؤلاء أصحاب الأيادي البيضاء , معاملة من جاء إلى البلاد وهمه الإفساد والهدم والإثراء السريع ولو على حساب أمن البلاد وصحتها وصحة من فيها ؟!!
كما أنه يجب أن لاننسى – ونحن مملكة الوفاء – أن كثيراً من الأخوة الوافدين قد مكثوا في هذه البلاد عقوداً طويلة , حتى أن بعضهم قد انقطعت علاقة أولاده وبناته ببلدهم الأم , وصاروا يتحدثون لهجتنا ويقيمون عاداتنا ويتبعون تقاليدنا ويلبسون زينا ..!!!
أفيعقلُ أن لاتكون لهذه الفئة خصوصية وتقديرٌ خاص وتسهيلات ؟!!!
كما أنه يجب أن لايغيب عنا – ونحن مملكة الإنسانية – أن بعض الوافدين , هم على الحقيقة تحت خط الفقر وعندهم أمراض ٌ مستعصية وبعض بيوتهم تحوي حالات إعاقة شديدة , وكثيرٌ من هذه الفئة هم ممن عاشوا في البلاد فترات طويلة جداً ..!!
أفلا نمد لهم يد العون و نحاول تخفيف ألمهم ؟!!
ولابد هنا من الإشادة بقرار الثلاثة الأشهر الأخير مع إسقاط الالتزامات المالية ، والذي فيه مراعاة وإنسانية إلى حد بعيد ..
ياوطني الحبيب , الوافدون جزءٌ لايتجزأ من نسيجنا الاجتماعي , فحتى إن أردتم تنفيذ قرار ما , فنفذوه بشكلٍ إنساني , فلا يصح أن يُعامل الوافد بعنفٍ وغلظة وأن يُهان ويُشتم وقد يُضربُ لأنه لايحمل وثيقة إقامة , طبقوا في حقه القانون كاملاً , ولكن مع الحفاظ على كرامته وإنسانيته ..!!
وباقي أن أبوح لكم بأمرٍ في صدري – وقد أكون على خطأ فيه – مانراه من كثير من تنظيمات , إنما تطال طبقة معينة من الأخوة الوافدين والذين يقدمون – وفي معظم مجالاتهم – خدمات للسعودي بسعرٍ مقبولٍ يُطيقهُ , ولكن من أطبقوا على مفاصل السوق وتحكموا في أمننا الاقتصادي والغذائي والمتنعمين بجريمة التستر من الوافدين مازالوا يزدادون قوةً وانتشاراً ومازالت قبضتهم مُحكمة على رقبة اقتصادنا , بل إن بعضهم زادته هذه التنظيمات غنى وتوسعاً , ولم تطل كثير من الجراد – وأعتذرُ على هذه التسمية – والذين نحروا اقتصادنا غشاً وتدليساً وفساداً وعبثوا بالأسعار , بل إن كثيراً من هذه التنظيمات باتت تُمَرَرُ تكاليفها آلياً على المواطنين من سعوديين ووافدين ..!!!!
ياوطني الحبيب , أرجوكم وأنتم تقومون بتنفيذ قراراتكم ضعوا نصب أعينكم سلامة وصحة نسيجنا الاجتماعي , فوالله لن تكون هناك تنمية دون نسيج اجتماعي سليم وصحي ..!!
** دوزنة عقل :
قال تعالى : { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }