اختناق نبض
بقلم الأستاذة / نوف بنت عبدالله الحسين *
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
آية 185 سورة آل عمران
ما بين التصديق واستيعاب الأمر.. تجدك تائهاً من أمر جلل.. إنه الموت الذي نتضاءل أمامه فنكتشف مدى هشاشة قلوبنا وتفلّت أعصابنا.. نتقلّب ما بين الدمع والألم الدفين .. تشلّ فكرنا وحركة أجسادنا.. نعود منكسرين أمام الحزن الكبير.. متبعثرين داخل الحزن الكبير .. تائهين وسط معمعة الحزن الكبير.. التقاط الخبر وتسارع الوجع في النبض المخنوق .. ارتجاف العين المثقلة بالدمعة.. ارتعاد الضلوع المحشورة في حشرجة الألم.. تحاول دفنه .. فيخرج فاضحاً ضعفك واستسلامك أمام الحزن الكبير...
أتكون فاجعة الأحزان بهذا الحجم من قسوة الشعور؟ يضرب في الأعصاب ويستبيح دموع الأهداب؟.. أي حزن برحيلهم يجعل الألم عاصف قاهر مسيطر على الذكرى ؟ تنتحب الأمواج وتبكي السماء مطراً متناثراً كئيباً .. تتوارى أمامك الأحداث وتصعقك اللحظات... يشخص بصرك .. وتتمتم داخلك .. إنا لله وإنا إليه راجعون.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. تبحث عن أي رائحة.. أو صوت.. أو لمسة.. تغضب من إحساسك.. وممن يستصغرون ألمك.. يطلبون منك التجلّد .. أن لا تبح بما بداخلك.. أن تختنق .. تتناقض المشاعر .. وتزدحم وجوههم وتتوافد الوفود المعزيّة كموج متلاطم .. لا تعلم ما الجدوى من الانحسار في تواجدهم .. تريد الانزواء بألمك بعيداً عنهم .. تسبح الله وتستغفره وتطلب منه أن يرأف بحالك وحال محبيك ممن فقد عزيز ثمين غال لا يمكن تعويضه.. تريد الابتعاد دون ولوجهم في تفاصيل الألم .. تبتعد الخطوات من ظلام الزوايا داخل الطرقات المحشورة في الفاجعة.. تتأمل من حولك وهم متفاجئون من اقتحامك عزلة ألمك.. في جوفك جوريّة تحتصر .. تتساقط بتلاتها وهي تكشف عن رحيق مختوم.. عن دعاء بالثبات والرحمة .. عن بقايا صبر .. تجد أماناً في داخلك إيماناً بقضاء الله وقدره .. فالحمد لله... الحمد لله ...
تعود من جديد لتعيد توازنك .. تضبط إيقاع قلبك .. تحاول أن تعود إلى صوابك .. تلملم ذاتك المجروحة .. وتبتسم لرحمة الله ..