إذاعة جدة ..!!
بقلم الأستاذ / أحمد النجار *
في حياتنا الكثير من الدوائر والتي نحتاجُ إلى كل حواسنا المُتاحة لكي نُلِمُ بتفاصيلها ونفهمُ أبعادها بطريقة صحية صحيحة , وكثيراً ماتأتي وسائل الإعلام - بكافة أشكالها - لتُعيننا على ذلك بكل طريقةٍ ممكنة , وهنا يكمنُ التحدي الحقيقي لكل وسيلة إعلامية آمنت بهذا الدور الحساس , وارتضتْ أن تَحمِلَ هذه الأمانة العظيمة , وهنا تبدأ الطرقُ بالتفرقِ للتفريق بين وسيلة إعلامية جادة راقية تتبنى رسالةً عظيمةً ناضجةً , وبين وسيلةٍ إعلامية آمنت بأن الربحَ هو الهدفُ الأسمى , وباتت تُلقي في فضاء الحواس كل غثٍ وهزيلٍ ومتهالكٍ , غيرَ آبهَةٍ بما قد يُحدثهُ ذلك من آثار سلبية على الفردِ والمجتمع ..!!!
صحيحٌ أن هناك القليلُ - للغاية - من حاولَ جاهداً أن يجمعَ بين الربح المادي وبين الرسالة المقبولة التي تُسهم في بناء الفرد والمجتمع ولو بشكلٍ محدود , فشكراً لهم ..
93 FM , هذا الرقم إن أدرتَ موجاتِ مذياعك عليه - في مدينة جدة - فستجدُ نفسكَ وجهاً لوجهٍ أمام وسيلةٍ إعلامية عملاقة للغاية , آمنت برسالة عظيمة وحملتْ أهدافاً ساميةً وقبلتْ التحدي بكل قوة وجودةٍ وإتقان ..!!
ووالله ماكتبتُ حرفاً واحداً هنا مُجاملةً لأحد , ولكني كنتُ مُجَرَدَ مُستَمعٍ غير مُنتظمٍ لإذاعة جدة , وعندما شاء الله أن أتشرفَ بأن أكون عضواً من أعضاء هذا الفريق الضخم العملاق المميز النادر - إعداداً وتقديماً - وقفتُ بنفسي على تفاصيلَ كثيرةٍ تُجبرُ كل مُنصفٍ أن يرفعَ القبعةَ احتراماً لهذه الإذاعة الراقية المميزة , ففي أول لقاء لي مع قائد الفريق سعادة الأستاذ سمير بخش , أدركتُ قوة ومتانة القاعدة التي يتكئ عليها هذا الرجل من خبرة إعلامية وحنكة ودراية , ثم عندما ألتقيتُ بالعبقري المخرج عصام حلمي ازدادت دهشتي وتعاظم إعجابي , ثم توالت لقاءات لي مع بعض أعضاء هذا الفريق فلمستُ كم هم عاشقون وبجنونٍ لكل ما يقومون بهِ , عندما يُلقي عليك الأستاذ سمير توجيهاتٍ في عملك , تشعرُ أنه يهبك وبكل كرم الدنيا خلاصة خبرته وعصارة تجاربه , وعندما يغمرك المُخرجُ الدمث الخلوق عصام حلمي بكل الحب ويحتملك ويوجهك ويهديك لمساتٍ فنيةٍ ذكية لاتُقدَرُ بثمنٍ تَشعرُ أن الجميعَ – وبلا استثناء – يهمهم الارتقاء بك وبعملك لتتناسب مع ارتقاء ورفعة معشوقتهم ( إذاعة جدة ) ... – جلست يوماً مع المُخرج المبدع عبدالرحمن النجراني , ووالله العظيم أذهلني حجم حبه لبرنامجه الشعبي الذي يُخرجه , وقام بإسماعي بعض المقاطع الصوتية النادرة لبعض التسجيلات الشعبية , وانطلق يقيم المقاطع مُبيناً ماميزة هذا وماعيب ذاك بكل حرفية واقتدار .... وعشق ...!!!
وتوالت الأيام , ووالله مالتقيت بالأستاذ سمير بخش بعدها إلا وخرجت بقاعدة إعلامية ودرسٍ إذاعي مميز , وماسجلتُ حلقةً مع الأستاذ عصام حلمي إلا وكانت هذه الحلقة دورة تعليمية مجانية على يد خبير ماهر محترف ... وعاشق ..!!!
من تحدثتُ عنهم , هم نموذج فقط , وإلا فإذاعة جدة تعجُ بالعاشقين لها , الذين قدموا ومازالوا يقدمون الكثير الكثير ليكسبوا التحدي الذي قبلوه برضا نفس ..!!!
والله لكم أذهلني جهودهم وتفانيهم وإيمانهم بخطورة الثغر الذي هم عليه , فهم يقدمون وبكل العشق مادة مسموعة راقية مميزة , ملتزمين فيها بجودة الطرح ورُقي الأفكار وسمو التوجه ..
ففي الوقت الذي سقطت فيه كثيرٌ - وليس الجميع - من الإذاعات التجارية في مزلق الربح على حساب المادة المُقدمة , رَكَزَتْ إذاعةُ جدة رايتها خفاقةً على أرض صلبة من الالتزام الأخلاقي نحو الوطن والفرد والمجتمع , فحرصتْ على أن تكون إذاعة يستطيعُ الآباء أن يأمنوا على أطفالهم وهم يستمعون معهم أنهم لن يسمعوا لفظاً خادشاً ولا فكرةً شاذةً .., قبلتْ كل المصاعب والتحديات لتتميز , استطاعتْ بكل ذكاء أن تلتزمَ بكل الضوابط والحدود والخطوط الحمراء وأن تتماشى مع كل الإمكانات المتاحة , وفي نفس الوقت أن تُرسلَ عبرَ الأثير مواداً مأمونة شيقةً مختلفةً توصِلُ رسالتها بكل حنكة ودراية لكل طبقات المستمعين وتوجهاتهم ودرجة تعليمهم ..!!
استطاعت هذه الإذاعة أن تخلق جواً فريداً من الصداقة والألفة بينها وبين مستمعيها , في ظل سطوة الأجهزة الذكية على كل شيء ..!!, واستطاعت أن تجعل ( الراديو ) الوسيلة العمياء Blind Medium – كما يسميه بعض الخبراء – وسيلةً مُبصرةً تُخاطبُ كل حواسك وليس السمع فحسب ..!!!
أتقنتْ فَنَ العبور إلى خيال المستمع فتميزت وتمكنت من إيصال ماتشاء إيصاله إليه بكل حرفية وتمكن ..!!
استطاعتْ أن تُعيننا - فعلاً - على فهم صحيح وصحي لدوائر حياتنا , لأنها تملك الكثير من الوعي والتفرد والتميز ..!!!
ولاغرابة أن اسم ( الراديو ) مأخوذ من الكلمة اللاتينية ( راديوس ) والتي تعني نصف قطر بسبب بث الموجات على شكل دوائر , فإذاعة جدة فعلاً كانت - ولازالت - دوائر وعي تُبثُ في المجتمع عبرَ الأثير..!!
فشكرأً ياوطني وشكراً ياوزارة الثقافة والإعلام وشكراً ياكل أفراد فريق إذاعة جدة على كل هذا التميز وكل هذه الروعة والتفرد والعطاء والالتزام ..!!