اختنق من الزحام
بقلم الاخصائية النفسية / خلود مفلح الحارثي *
يعبرون عن حبهم للكتب ، و وفائهم لكتاب معين يصاحبهم في مراحل حياتهم ، نعم لا غرابة في ذلك ففي حقيقة اليوم العالمي للكتاب نجدهم يعبرون عن ذاك الحُب و كأنه شيئاً مميزاً أهداهم أوقات سعيدة.
حالاتي مع كتبي في بعض الأحيان علاقة سامية ،كنت أشعر بأني وحيدة بعض الوقت فرافقت كُتبي و أصبحت بها بين الشعوب و القبائل ، بين المدن و القرى ، بين القلوب و سائر الطرقات ، أجوب كمن له طائرة خاصة يطير بها فوق سموات البلاد ، و أنظر لكل شيء ليحوله لحقيقة حيّه بين يدي ، و كأني مع كل هذا العالم أصدقاء ، و بعض المرات اختنق من زحام الاجتماعات فأنطوي كالورد بين صفحات كتابي ، فتبدأ ليالي الهدوء و مشاعر الجمال بتأمل رفوف الكلمات و تصنع منها فكر راقي تتعقبه بسلاسل من العقد المشابه لعقود اللؤلؤ الناعم لتلبسه عقلي كحُلية العظماء ، فأجد بأن عزلتي تلك هي عزلة غنية مليئة بالحياة لا كما يعتقدون ، حتى أنني اخالفهم عندما يظنون أن الكتب رابطة فقط بين العلم و الدراسة ، لم يعلموا بالمتعة فيها و المغامرة في انتقائها ، صحيح حينما أريد المعرفة سأجدها بالكتاب ، و العلم بالكتب أيضاً و لكن الإثارة تكمن في اجزاء الرواية ، و الشغف بين نصوص الشعر و الأدب ، بل الشوق في الحكايات و التاريخ القديم ، و هناك الكثير في القصص من الحكم ، والاستعراض المسرحي في كثير من المخارج الكتابية ، الكثير من التغيرات تكمن في سطر من كتاب و الفضول يبدأ من عنوان كتاب ، و الإنجاز يبدأ بنهاية الكتاب ، و التفكير ينهض في عقدة الكتاب ، وماذا أيضاً ؟!
و أثمن الهدايا تقدم بالكتب لمن يقدسها ، لم أدرك أن حسن الوعي و قوته يبدأ في نوعية اختياري لكتاب ما لأرى على المدى البعيد أني لا أقبل بأي عنوان و لا تزدحم مكتبتي بمؤلفين لا أرى أني انتمي إليهم ، انتمائي يبقى لكل كتاب ينحت في قلبي ميلاداً جديد كيوم ميلادي بكل عام ، فأحتفل به حفلاً فكرياً و نفسياً ، لذا من نصحي لا تجرب القراءة لأجل أن تثبت للعالم بأنك مثقف أو أن يكون تصويرك احترافي بين كوب قهوتك وكتابك ، لا تتخذ قرارك بشراء كتاب لأجل أن تضعه زينة في بيتك ، خذ عهداً جديداً بالقراءة و الكتب لأجل أن تحيا الحياة بأكثر عدد ممكن و في كل مرةٍ ستجد نفسك تحيا بطريقة مبهره و الأكثر من ذلك أنك ستكون الرائع حين تتحدث و المبدع حين تكتب و الجميل حين تقتبس المقولات و الشاعر حين تتغنى بالقصائد ، و المحارب في دحض الشبهات بالشواهد ، و المستشار حين الأزمات...
لذلك يستحق الكتاب ما تستحقه الكتابة مني بأن يكون جزئه الجيد مني و السيء درساً أفيد به غيري ، و أن يكون معبراً في بعضي و غامضاً لعمقي.
أخبركم سراً :
عندما كنت طفلة رأيت الكتاب شيئاً ثقيلاً في حمله و ربما شيئاً اتعثر به ، و عندما كبرت هو الذي حمل ثقلي و ساعدني بتجاوز العقبات.
* كاتبة ،عضوة، رابطة كاتبات الغد