العلاقات المزدهرة
بقلم الاخصائية النفسية / خلود مفلح الحارثي *
العلاقات الاجتماعية المتنوعة لكل منها دور تحققه من خلال التفاعل داخلها. فهي تقوم على مبادئ وقيم يسودها الاحترام والمودة والتعاون لتحقيق الدور الاجتماعي الذي يمثله الانسان كونه اجتماعي بطبعه، وسأتحدث عن شكل من اشكال العلاقات الاجتماعية المرغوب تواجدها في مختلف أنواع العلاقات سواء الاسرية أو الصديقة أو الوظيفية...إلخ.
هي ما يطلق عليها بعض علماء العلوم الإنسانية (بالعلاقة المزدهرة) التي تتضمن في جوانبها تحقيق الأهداف المرجوة من الأطراف المكونة لهذه العلاقة ليست فقط أن تكون سعيدة بل تكون نامية ومرنه ،وبالتالي تسمح بالتوازن الحيوي لتركز بين العلاقات الحميمية والعلاقات الاجتماعية الاخرى. وكذلك مستوى مهارة الاتصال الفعال بين الأشخاص الذي ينعكس على مدى استمرارها وبقائها. حيث أنها تبدأ عابرة وتنتقل لكونها باقية في جو مفعم بالحب والاحترام والامان. وهذا لا يعني خلوها من الخلل أو التهديد في روابطها ،ولكنها رسمت قواعد الاهتمامات بعناية لتضمن استقرارها ،وحافظت على إطار حدودها للتغلب على الاختلافات والتصدع ولتزيد من تمسكها.
فحقيقة بعض العلاقات الاجتماعية قد تؤذيك للحد الذي لا تتوقع أن يؤثر بك إلا بعد مدة. فترى أنك لست أنت. تصبح شخص يحاول أن يفهم ما يدور حوله. تغيرات كثيرة تطرأ على مثل تلك النوعية من العلاقات ،تجدك مع الوقت تفضل الانسحاب على مواجهتها الغير متزنة بل أحيان ترى أنك لا تمتلك شعور نحوها ؛ نظراً لكمية الألم الذي صفعك في طريقه إليك بتلك العلاقات الاجتماعية. مهما تعلمت من مهارات وفنون لتتجاوز بعض الأجناس إلا أنك تصطدم بشخصيات تتلون بسرعة الضوء وفق أمزجتها ،لتصبح أمامها حائر عن الرد للصدمات فائقة النفاذ. تتشكل خيبات غير متوقعه لسقف التوقع الذي وضعته وإن كان متواضع قليلاً. فيسقط دون أن يبالغ بحجمه على رأسك.
تجدك بين تلك العلاقات التي أصفها (بالمعاكسة) تفضل الصمت كثيراً ،ترى عدم الجدوى من التطفل المزعج لأسئلتهم لتبتعد بالإجابة عنها ،وكأنك تقول : أنه قد لا يعنيكم ما تبحثون عنه! . احيان تسايرهم في حديثهم من باب أدب الاستماع ولكنك تخشى أن تسأل عن ما رأيك بالموضوع ؟ ، فتبدو ضعيف التركيز لهم. بالفعل علاقات معاكسة وليست مختلفة لأن الاختلاف يسعى لمنظور آخر في العلاقات ولا يفسد ودها. كل شخص وله نوعية معينة من الاهتمامات التي يسعى بنموها في علاقاته وحديثه عنها. ليست الحياة وعلاقاتنا محصورة حول اخبار الناس وآراءهم ولا هي نقطة مشتركة عند جميعنا في معرفة خصوصيات البشر وتفاصيل علاقاتهم ،بل مختلفة تماماً وفق ما يراه الانسان الواعي ،لدي مثلاً اهتمامات وطقوس مغايره عن غيري في علاقاتهم وإن كنا نتشارك أو نتشابه في السمات ،أنا لا يعنيني خصوصيات الناس ولا يلفت نظري رأي بعض الناس المحبطة أو التي تشعر بدوافع انفعالية غير طيبة ،كما لا يهمني بتاتاً أن تخبرني عن ما يقوله فلان عن أخيه فلان أو تلك عن هذه. بتاتاً ،ولا يتوقع مني أن اشارك في مثل هذه المهزلة الكلامية في غيبة أصحابها. ربما انتقد بعض الجوانب لأجل اصلاح ما يمكن تفاديه ؛ولكن حين تراني صامت بمثل تلك العلاقات الاجتماعية التي جُبرنا على التعامل معها فهذا ليس تكبر ولا عُقدة كما يتضح في تحليلات من هم يحبون الثرثرة والجدال. هو فقط أن اهتمامي معاكس عن اهتمامكم. شعوري اتجاه ذاتي واصلاحها أولى من الاستماع أو المشاركة في مجادلات ذات نقد لاذع ،وسخرية عارمه دون النظر لعيوبي وتعديلها فمن الأولى حينها اهتماماتكم أم اهتمامي؟! الذي أحرص على تطويره بما يعود نفعه عليّ وعلى من حولي. فمنكم يرى جديتي وعدم استمتاعي بما تثيرونه دون نفع !. تهمني تلك العلاقات المزدهرة التي لها توجه فكري ثقافي مرن يسعى للنمو بشكل أفضل للتعايش مع الحياة وضغوطها بين مهارات وحدود اتصاليه فعاله تساعدني في التغلب على اعوجاج الحياة وطريقها. فأصحابها الذين يبدئون الحوار بفكرة وننتهي معاً بنتيجة أو إضافة مفيدة. يجذبني فيهم الشخصيات القوية القيادية التي بين طيات حديثها تجمع بين الأدب والشعر والحكمة والمعلومات القيمة ،وفي تصرفاتها طيب العمل على أرض الواقع. يهمني من ينتقدني منهم ولكنه على نظافة قلب أي نقده يزرع بداخلي ورد ذو لون مختلف لا شوك جارح كي يسقطني على اخطائه . جميع أنواع العلاقات الاجتماعية بدء من الأسرة ثم الصداقة وما يليها يجب أن يرتكز مبدئها على الاحترام والمصداقية والشفافية ايضاً ؛لتتجه نحو النمو الايجابي والنضج السليم والمرونة التفاعلية. لأنها تضمن بذلك استمراريتها وتحقق اهدافها ومشاركة اطرافها انواع من الاهتمامات الجيدة ،بدلاً عن تلك التي تتوقف على مستوى واهتمامات محدودة ،وتعطي المجال لتسلط طرفها الأقوى ،ويحاصرها تقلبات مزاجية وظنون مزعجة ،وتحليلات غير منطقية تؤثر في المستقبل على شكل تلك العلاقة وفاعلية الأشخاص داخلها.
احيان نتخذ من الكتب رفيق حتى لا ننتهي...
واحيان أخرى نفضل الهدوء عند احتساء القهوة حتى لا نتعكر...
وفي كثير من الأحيان نتجنب من نحب لنسلم من أذيته...
احذر أن تكون طرف خلل في علاقة ما ،وتكون من يخشاه الأطراف ليتقوا شره، أنت تُسيء لنفسك قبلهم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ".
كاتبة، عضوة ، رابطة كاتبات الغد