الكولومبيون السعداء
بقلم الدكتور / مجدي غرسان *
طابت جمعتكم بكل خير .. نلتقي عبر الرائدية من جديد و كنت قد تركت قصاصة من الورق الكولومبي لصحفي يذكر أن كولومبيا تأتي على قائمة الدول الأكثر سعادة في العالم أو بين المجتمعات .. بنسبة تتجاوز 85% .. تركت الموضوع لظروف سفري ثم عدت اليوم لأكتب لكم عن مدى تأثير الفقر والحاجة في كولمبيا التي تعد الأكثر بلدان العالم معاناة من الفقر أو مستوى الحياة المتدنية . وسألت نفسي لماذا لا تكون هذه النسبة للدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وغيرها ! لماذا لا تكون هذه النسبة للبلدان ذات القدسية الدينية مثل المملكة العربية السعودية. بحيث أن السعادة يجلبها المال أو التقوى في نظر البعض!
تأملت في هذا الشعب الغريب وجدته لا يملك حتى مقومات السعادة سوى أنني لاحظت على خاصرة ثقافته "سهولة التنقل بين حالات متعارضه من المشاعر الإنسانية في الحياة " ينتقلون بين العيب والفخر والأمل واليأس والحزن والسعادة " دون أدنى توقف يدعوهم لثقافة التشهير أو التصوير وشغف الانتقام من سمعة بعضهم أو التلذذ بوسم يضعه أرعن يمارس تحته الكتابة حول فتاة هربت أو شاب يتظلم بملفه الأخضر أو ملتزم يصرخ حتى تتفجر عروق رقبته للنيل من رجل أمن ادعى أنه مارس بحقه وناديه الظلم أو مطبل يصبح ويمسي وهو يقول في الحكومة مالم تطلبه منه أصلا وماهي في غنى عنه !! وفي المقابل لم نرى هذا الصراخ منه على رجال الحد او رجال الأمن الذين يذهبون شهداء لأجل هذه الابواق .
الكولمبيون يرون أنه لا شيء أهم من الاسرة والأصدقاء والتسلية بعيدا عن حريات الاخرين , الكولومبيون لا يقيمون الأخرين بأشكالهم أو لحاهم او لباسهم أو نوعية العودة التي تنتشر في محيط بعض المارة .
بعيدا عن حقوق الاخرين. هم ليسوا مجتمعا مثاليا في نظر الآخرين ولكنهم في الحقيقة يعرفون جيدا معاني الإنسانية وحقوقها الشرعية ويرون أن ما نراه في الشرع حرام أو عيب ، هو حرية للشخص لايفرضها على أحد .
هم لا يصدرون وباء الإكتئاب الذي يصنعه رهط من مجتمعاتنا فشلوا بل هم صناع للفشل في عالمهم الحقيقي وينقلونه وينشرونه في أوساط المجتمع الافتراضي ، في حين أن الكولومبيون يرون أن البقاء على الطرقات وأحاديث السمر بعيدا عن هذا التمثيل والقلق في ممارسة لحياتهم البسيطة مع ذويهم هو افضل بكثير من هذا الجشع المتمثل في الوصول الى كم هائل من المنتبهين الفارغين .
بيد أنه يمكن لفت الانتباه لك عن طريق ادعاء تحليل عميق لزيارة رئيس الولايات المتحدة الامريكية الى المملكة هذه الأيام ، أو عن طريق تحليل القرارات الملكية الصادرة مؤخرا أو أي وسيلة يمكن أن يقرأها العام خلال وقت فراغه . هكذا يصنع البعض نفسه بعيدا عن حاجات الناس الحقيقية ، بعيدا عن احتياجات الانسان والمجتمع والدين . وهذا بكل أسف لايمكن أنكاره في مجتمعنا الافتراضي . لقد صنع الكولومبيون من معاناتهم طرق متينة للسعادة حتى اذا ما فجأتهم الأقدار وأصبحوا أغنياء وحديثي نعمة !! لن تغيرهم المادة لأن المعاناة جعلت منهم أشخاص أكثر تصميما وصبرا. لا طائفية ولا أقلية محرومة يمكن أن توجد في مثل هذا المجتمع وهذا دليل على أن ما نسمعه ونشاهده في مجتمعنا من وباء الطائفية وغيره ليس إلا مرض وجد البيئة الحاضنة له وإستشرى حتى أصبح قضية طمست خلفها قضايا أهم بكثير كان يفترض أن يتداركها العقلاء . فن التعايش الكولومبي هو أول ما نحتاجه كي نصبح نموذجا يقتدي به القادمون من بعيد . الإلحاد الذي ينتشر هذه الأيام لا أعلم ماهو دور العمائم واللحى والعقول تتأرجح في أفكارها بمباركتهم والتزامهم مناهجهم التي لا تراعي ظروف العصر الأحداث كثيرة وتحتاج لأكثر من هذه المقارنات ولكن ... أترك لكم ذلك لسهولة الوصول لمقارنات اكثر.
خارج النص ..
إن الله وملائكته يصلون على النبي .. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .
ما بعد الكلام ...
أتمنى من الكثير وليس القليل ألا يخرجوا في مسيرة تأويل وتفسير لكل ما حدث في قمة الرياض ، أرجوكم أن تتفهموا أن الدولة في غنى عن تصويركم طريقة سلام لمسؤول وكتابك بيت شعر أعتصر صاحبه حتى صاغه أو نظرة وزير أو إبتسامة أمير ، الدولة ستبقى دولة بحول الله كما قال حارسها بعيدا عن كل مطبل لزم الصمت فقط حينما عادت الهيئة لمهامها !
* كاتب وقّاص