عُملة الاختلاف
بقلم الاخصائية النفسية / خلود مفلح الحارثي
أثناء نزهة جميلة توقفنا قليلاً للتحدث ثم جلسنا على احدى كراسي الحديقة. أنا وصديقي. دار حديث شيق بيننا ،وبدهشة نظرت للشجرة الموجودة بالأمام كمنظر بديع واعجبني اللون المصفر بين طيّات ورق الشجر وابديت اعجابي بذلك كون لونه تفاؤل بما أوحى لي المنظر. قال لي صديقي لا أرى اللون الأصفر فيه ! اظنك تعاني من عمى الألوان يا رفيقي !
ما نراه لونه أخضر تماماً وعادة الشجر بهذا اللون كما أن الجو معتدل. رددت بعبارة بريئة لا. اللون كما ذكرته فراجع نفسك. وبين التوضيح والتفنيد بدأ الموقف يغضبنا كثيراً وقف غاضباً على أن يذهب ثم تقدم عني وقابلني وجهاً لًوجه وهو يودعني إلى لقاء آخر. ثم التفت لخلفه إذ تغيرت ملامح وجهه وصمت قليلاً وقال هل صحيح ما تراه من لون في مكانك بأنه أصفر!؟. لم اجيبه لأنه مقتنع تماماً بأن اللون أخضر ،وأن الجو معتدل ،ووصف وفق رؤيته دون أن يفهم ماذا أرى وتحليلي له. ضحك وقال صحيح ما رأيته يا صديق فاللون من مكانك يبدو مصفراً ؛ولأن اشعة الشمس عليها بينما مكاني انظر منه اللون الأخضر لأن جزء الشجرة تحت الظل. نهضت من مكاني ورأيت من مكانه وبالفعل صحيح ما شاهده كما صحة ما رأيت!
هذا على سبيل المثال ما رويته ،وكثير من المواقف التي تعترينا بين من نحب وبين عامة الناس وتنشأ فيها مواطن الاختلاف وليس الخلاف ؛ولكنه وفق التعامل الشخصي المتحيز لذات الشخص نفسه يصبح الموقف موطن للخلاف ،وإنشاء مشكلة لا وجود لها بالأساس فطبيعة الحال أن الخلاف لا يفسد للود قضية مهما اختلفنا ؛ولكن غالب الأوضاع عند البعض "خالف لتعرف" وتثبت وجودك بينما جميعنا نتملك رؤية ونظرة مختلفة تميزنا عن الآخر. كم من موقف استهلك الوقت ،والجهد ،والشعور ،واستنفذ طاقة الحوار الإيجابية في مواطن الاختلاف لنستفيد. بدلاً عن زرع فكرة أنك الصحيح دائماً وغيرك مخطئ -كما بالمثال- عندما استبدل المكان بشكل تلقائي غير مقصود تبين لصاحبنا أن قناعته بما يرى صحيحه وبما يراه صاحبه أيضاً صحيحه. فلما كان الجدل والإصرار والغضب والتسرع ومحاولة مغادرة الموقف دون تفهم الطرف الآخر. من هذا المثال درس مستفاد منه وأن عُملة الاختلاف واحده. و في كلا الأوجه قد تأتي صحيحة وفق الوجهة التي تقف عليها. دائماً علينا التأني في مواطن الجدل لنفهم موقف الآخر ،وإن لم يتضح علينا بالتغيير ومحاولة وضع النفس بموضع الآخر لنرى النظرة والتقبل فيما نفعله بالآخرين ،وأيضاً فيما يُفعل بنا. نحن نرى الحياة بصورتها الحقيقة ؛ولكن لكل منا رأيه الخاص الذي يعيش فيه بناء عليها ،وفق كثير من الظروف التي لا يمر بها الجميع ،وربما نختلف بالمرور عليها أيضاً. لذا ليس بالضرورة الجميع على خطأ ،وليسوا على صواب هم فقط يرون ما يرونه. دعهم يفسرون رؤيتهم ،ودعهم يتحدثون بذلك ،وفي آخر المطاف لك حرية الأخذ والترك ؛ولكن احذر أن تقحم رأيك ،ونفسك ،وشعورك ،ورؤيتك على الناس خذ ما يعجبك ،واترك ما لا يعجبك ؛ولكن اياك أن تخطئهم أو تنكر عليهم دون الوقوف على مسببات ذلك إن رأيته مبرر صحيح تعلم منه للأفضل ،وإن رأيته مبرر غير صحيح وضح ذلك بأدب ،وتدرّب على مساعدتهم على الرؤية الأفضل لا على أن تثبت نفسك ووجودك على حساب الغير ،وتعلم تبادل الأفكار و أنواعها للتغيير والتطوير وليس للخلاف والصراع. لنبحث عن السلام الداخلي في كل ما نفعله. ومن باب الفروق الفردية لا تظلم الكثير ولا تجعلهم يظلموك كن عادلاً بتوجهاتك و افكارك تحقيق لمبدأ الفروق الفردية.
كاتبة ،عضوة، رابطة كاتبات الغد