شخصيات ساخرة
بقلم الاخصائية النفسية / خلود مفلح الحارثي *
أثناء مراحلنا الدراسية بمختلف التخصصات جميع ما نتلقاه من علوم ومعارف تحثنا على الأمانة والإخلاص بالعلم والعمل وفق مبادئ دينيه وانسانيه بالمقام الأول. بل نجد الحرص على افادة الغير بما تعلمناه وأن لا يقتصر ذلك على انفسنا. ووفق الاطلاع الدائم بمواقع التواصل الاجتماعي والتحليل العميق في بعض الردود نجد الآلام والأوجاع صارخة تستنجد بمن هم مؤهلين ومتخصصين بالمهن وقادرين على التجاوب والتفاعل بشكل أسرع من غيرهم في كافة مجالات الحياة وتحديداً بالصحة الجسدية والنفسية. ولكن!! بعضهم من المؤسف أن يُمنح لقباً هو ليس متمثل بأخلاقياته بل يفترض أن يُعاد تدريسه لمادة اخلاقيات المهنة. حين تكون في احدى مواقع التواصل الاجتماعي أياً كان المنبر الذي تطل به على الناس فأنت ذو مسئولية أمام شريحة كبيرة من الناس التي رأت عبر زيارة صفحتك وسيرتك الذاتية التي ابهرتهم بها ووجدوك ملاذ بعد الله لتزيح عنهم ما يرهقهم من أمرهم بما يتاح لك وتستطيع. ولكنك في لحظة ما نسيت أنك قد تكون مؤثر قوي إما بالإيجاب أو السلب، وعندما تضع الجميع بمستوى نظرتك العلمية والمعرفية أو ما يقارب لها هذا شيء فظيع!
فالشريحة التي تتابعك أيها المتعلم قد تكون مختلفة تماماً عن مستواك وعن من يأتون لعيادتك أو مركزك المخصص بل وقد يكونوا في قارات أخرى وبقاع أنت لم تعلم عنها، منهم المتعلم، ومنهم المثقف، ومنهم من هو بالكاد يفقه بعض الأمور أو يقرأ بشكل سليم، ومنهم لم يتعلم آداب الحديث والحوار، ولكنه تفوق عليك اثناء سخريتك منه على الملأ بتقليل شأن اسئلته واستفساراته إليك لتقول له ببساطه تلك اشياء بديهيه!؟ ربما هي كذلك ولكنها لديك فقط ولدى من استمدوا جراءتهم كمتابعين بإعجاب لك للسخرية منه ومن أولئك الذين تستعرض اسئلتهم بشكل لا يليق بك كأستاذ مثقف أو كدكتور مثقف أو بروفيسور نابغ!! وجعلت الترتيب السابق بأستاذ لنذكر البعض بمراحل وصوله لما هو عليه ليراجع نفسه ويحكم قوله وأن لا يدخل في دائرة الشخصيات الساخرة بالناس وبالخصوص بأوجاع الناس أو الرقص باستهتار على مدامع اعينهم خلف الشاشات حين يقابلهم رداً لم يكن بالحسبان من منبر علمي أنت وضعته لنفسك في تلك المواقع وذلك لتتواصل مع الناس قدر المستطاع وتراعي بأحوالهم وظروفهم. وبلدان بعضهم قد تكون تحت عِراك الحروب والحصار ويريدون بهذا القرب الافتراضي تقليص المسافة والاستفادة والعمل على ما يعينهم في تلك الأحوال لا أن تزيدهم ولا أن تكبلهم بسخريات وتدعي أن الجميع على اطلاع وعلم بما يدور في عقل ذلك السائل الذي جاء باسمك باحثاً لمشورتك لتصفعه بدرس لا انساني!!
والغريب بالموضوع أننا في زمن الكثير لا يشعر بذلك بل يتحدث ويقول أنا لست مسئول عن الجميع وذلك حقيقي لست ملزم ولكنك إما تقول خيراً أو تصمت والأفضل أن تدلي بنصح أو اسم آخر بعيد عن الأنانية لزميل بالمهنة يستطيع التفرغ والتجاوب وذلك عمل نبيل وتفريج من الكرب والله بها عليم.
- كم هو مؤلم لتلك السائلة التي تريد حياة ابنها ونجاتها من سطوة اضطرابه النفسي (اكتئاب حاد )!؟ ،فيأتيها الرد الملجم بقتل آمالها..
- كم هو قاس لذلك السائل عن نوع الدواء الذي يأخذه لعلاج مرض عضوي مزمن ومتى يبادر بتركه ويتعافى!؟ ،ويأتيه الرد كالمحكوم بالإعدام لمدى العمر..
- كم هو بلا رحمه حين يتساءل المراهقون عن ذنوب اقترفوها ويريدون التوبة وطريق الصلاح !؟ ،فيبدأ العالم بذكر العقاب والوعيد واستشهاد البراهين مما يفزعهم ويدخل في قلوبهم اكراهاً وترهيباً ونسي ذلك العالم أن الترغيب هو أقرب للنفس وتناسى قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ). آية ٢٥ سورة الشورى ختاماً.. للنهضة بروح الإنسانية عند بعض المختصين لنذكرهم بحديث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيما يدخل ذلك بتفريج الكرب. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
- ولا ننسى ذاك المختص الذي يستفرد بعلمه وفائدته ويخصصه وفق ما يريد. اطلق لإنسانيتك روح المبادرة دعها تجوب اقطار العالم وتضمد الجراح ،وتواسي الأنفس المنهكة ،وتكون بلسماً لأجساد طريحة ،ولتكون نوراً متفائلاً بأعينهم ،ولتتجلى المعرفة عن جهلهم ،لتكن راسماً البسمات ،وتكون مراعياً لظروف ارهقتهم. فلولا حاجتهم التي فاقت بهم لما لجأوا إليك بعد الله تعالى. إن لم تكن انسانياً بما يكفي فاصمت عنهم وصدقني أن اللقب الذي يسبق الاسم والدال على الكم الهائل من المسيرة العلمية لن ينفعك دون استثمار عملي يستمر أثره بعد موتك!
* كاتبة ،عضوة، رابطة كاتبات الغد