صالات الانتظار
بقلم الاخصائية النفسية / خلود مفلح الحارثي *
تخبرني صالات الانتظار عن الكثير من القصص والشخصيات التي تقطن فيها ومن بينها نفسي احيان. تجد المتأملون في مقابلاتهم الوظيفية ينتظرون ذلك القبول الذي يؤرق اوقاتهم في السعي وراء العمل والجد في طلبه، ولكنهم مختلفون في تلك الأوقات ايضاً. هناك الملهم المتحرك الذي لا يأبه بالرفض والقبول فهو على يقين تام بقدراته وخبراته أينما ذهب فيزرع داخل كل من يراه قوة الثبات وامتداد الثقة على أية حال. وهناك من قطب جبينه وكأن العالم يجلس فوق كتفيه خشية أن لا يحقق مراده في ذلك الانتظار الذي يجر انفاسه فيه على مضض ويوحي لمن يراه بأنه فاقد لمعطيات النفس المتفائلة ويبث في غيره طاقة لا شعورية بالسلبية. وحال ذاك الذي كأنه في سباق العداء لتوتره المستمر دون وجود علامات لما هو الحال بداخل تلك الغرفة التي يُجرى فيها الأمر الذي ينتظره وكأن شيء لا سار سيحدث فيزيد في فرقعة يديه وتمتمات شفتيه على نحو مثير للقلق، والذي بجانبه يبدأ بهز رجله دون ادراك لتسلل التوتر إليه!
هذا على سبيل المثال في صالة انتظار واحدة لهدف مشترك ولكن الاختلاف توارد على التعامل معه.
لنتخيل معاً صالات الانتظار في المطارات سننتقي مشاهدات لربما رأيناها ولكن لا نعرف لما شعور الانتظار قد يربكنا!
مقاعد كثيرة وبوابات متفرقة وصالات شاسعة. احدهم يريد المغادرة والآخر ينتظر عودة من يحب. وهناك الشاب الذي ملأ يديه بالطموح مبتدئاً بغربته عن الوطن لينتظر عودته لنفس الممر الذي خرج منه كطالب ليعود خريج. تلك الأم التي تحتضن طفلها وتنتظر احد ابطال الجيش بفخر ودموع اشتياقها بنجاته. ولنرى تلك الطفلة الصغيرة تلهو بجانب والدها و لا تعلم بمغادرتها البلد مع أهلها لانتهاء اجازة الصيف وليزاول الأب عمله في سياق طويل من الانتظار المشوق لرؤيتهم من جديد. وهناك تلك العاملة التي جاءت من بلد لبلد بحثاً عن رزقها وعيناها مليئة بالدموع وقلق بما ستؤول إليه!
يالله كم من شعور وكم من غرابة تقضيها منا ساعات الانتظار.. بل كيف يطيق من ينتظر بالسنوات!؟
وهناك نوع آخر من الانتظار الأبيض لمن هم في صالات المراجعين لعيادات مختلفة بحثاً عن الدواء فالانتظار هنا أشد بلاغة بالمعنى ليوصف!
هل من إشاعة مخبره عن كسر أو شيء غريب متأصل بالجسد فأمرضه!؟
أم هناك عينات تم تحليلها والقلب مرتقب ببشائر منذ انقطاع الصبر!؟ فتأتي بأنها تنتظر مولوداً وتحتضن انتظارها بشوق اللقاء لوليدها بعد شهور!
وكيف حال ذاك المنتظر أمام سرير أبيض يحمل غالياً عليه حتى يفيق يوماً ما!؟
هناك من يحتاج الانتظار لأمره، وهناك من لا يستطيع صبره أن يحمله لمدة الانتظار، وهناك من يخشى الانتظار لأن من وعده خذله فأصبح الانتظار خاذل وإن اوصله!
كم هو أمر محير! ولكنه ينقش داخلنا الكثير، ويعبر عنا بالكثير، ويحكي عن ملامحنا فيه ويمدنا بعناوين خبرية لأحوالنا. كم من منتظر صابر ونال، وكم من منتظر صابر ولم ينل بعد!
ما تنتظره سيأتي ولكن لا نعلم بوقته لذا و أنت في عداد المنتظرين لا تشغل نفسك باتجاه واحد بل انظر إلى كل الاتجاهات لا تعلم بأي منها يأتيك ما تريد.. استشعر القدوم ليأتي المسافر، استشعر الخبر ليأتيك المبتدأ عنه، استشعر التغيرات ليبدأ مفعول الدواء، استشعر فاقد الوعي ليعود معك، استشعر السلام ليأتي اللقاء، استشعر كل شيء يدعوك لانتظاره لترويه يوماً ما بسعادة أو كخبرة مستمتع أنت فيه أو كحكمة عقل مدرك.
* كاتبة ،عضوة رابطة كاتبات الغد