لأنه أصفر
بقلم الاخصائية النفسية/ خلود الحارثي *
الاختيار الأكثر ايقاع في موجاته وجاذبيته إلي..
في القدم كانت هناك لعبة وشريطتها الاختيار من علبة الألوان لوناً وبه تنطلق اللعبة. لا اتذكر تفاصيلها كاملة ،ولكنها كانت لعبة شيقة مليئة بالنشاط والحركة ،وروح المغامرة والتحدي. ففي نهايتها حين يتم الإمساك بك بعد السباق تبدأ بالضحك الطويل وكأنك محلق في السماء أو لربما لانعكاس اللون الذي اخترته اثناء البداية فكل ما اذكره أنني اختاره وحده و لا يروق لي من بعده لون بديل. يجذبني ذاك اللون في مجموعة الحلويات والآيسكريم والفواكه والخضار بل لكل شيء يخالطه يصبح له شيء من النور ،واذكر في صغري كان لون غرفتي كباقي الفتيات الصغيرات اللون الوردي ؛رغم أنني لا أحبه كثيراً! اشعر بسطحيته في معظم الأوقات ،وبعد فترة من الزمن تم تغيير طلاء الغرفة باللون الأصفر الزاهي وكأنني في تلك الغرفة من سكان كوكب الشمس كل ما حولي يشع نوراً وحياة.
يستغرب البعض الآن ممن يعرفني عن اعترافي اللوني ؛ولكنها الحقيقة. بعد أن تعقبت مراحل معينة في حياتي وجدت ذاك اللون حاضراً على الدوام في الملبس ،المشرب ،الاقتناء البسيط ،حتى على مستوى الازهار فتلك الاقحوانة الصفراء أو الشريكة باللون الأبيض أكثر رونق بالنسبة إلي. لا ننكر أننا في الكثير من الأحوال نفضل بعض الألوان على لون نحبه نتيجة لأشياء مشتركة أو لمدلولاتها لمواقف معينه ،و اذكر أنه اعجبني يوماً ما انجذابي لزميلة العمل فهي انسانه رائعة وجميلة ؛ولكن بذلك اليوم شعرت بأن هناك طاقة قوية وأمل وتفاؤل يعبر منها لمن حولها لم اتأكد من سبب ذلك إلا عندما ادركت بأنها كانت تتأنق بقميص لونه أصفر وكنت ممتنة لها لذاك اليوم بسروري من اختيارها في الصباح وكان منعكس عليها وعلينا بابتهاج طوال اليوم.
جميع كتبي ومذكراتي تشع بأوراق الملاحظات الصفراء الصغيرة فكانت على ما أظن رابطاً قوي بالتذكر ،والانتباه ،والتركيز. في تلك المراحل من الدراسة كنت أكثر تيقظاً بما يزيد تركيزي وانتباهي ايضاً. تعجبني تلك الوريقات بالحديقة المائلة بالصفرة لخريف اصابها لتسقط وتعود بالحياة من جديد مخضرة. الكثير ينعته بأوصاف لربما شوهدت في محيطهم الشخصي أو تجارب منعكسة عليهم منذ القدم بأنه يشعرهم بالمرض أو يرونه حقداً دفين أو غيرة عالية !
لم أرى ذلك خلال تجاربي وحين المرض ينعكس على جسدي لون الصفرة فأجد فيني تلك المواساة لذاتي وكأن هذا اللون المكتسب يثير انتباهي بأن هناك شيء يحدث داخلي فهو باب من الاهتمام إلي.
لا أجد فيه لون غيرة! بل رأيت لون الصداقة والصفاء ولون التقارب والتجاذب اللطيف.
لكل شخص منا نافذة يطل بها على العالم ،ومن خلال زاويته يستطيع إبراز جمال الأشياء التي يحبها. بالفعل أنا لم ادرك ذلك الشغف باللون إلا حينما رأيت أين تبتهج روحي فكل شيء أحبه لابد أن يكون له وقع مختلف لدي كذلك هذا اللون يشعرني كثيراً بأنه التميز الذي لا علاقة لأحدهم به شيء مجرد من العلاقات ،والروابط شيء يخصني وحدي فكلما طُلب مني الاختيار وقعت عيني عليه ،ومضت روحي في طريقها لذا فعلاً أنا أحبه لأنه أصفر.
نجد البعض لا يعرف أي لون يحب يشعر أنه يحب جميع الألوان دون تمييز ؛ولكني كنت لفترة كذلك اشعر بانتمائي لعدد من الألوان.. وقمت بتجربة الاستبعاد حيث استبعدت كافة الألوان فوجدت اساسها لدي الأصفر. أحبه يطغى على معظم الأشياء ،وكأنه ختم الحياة بالحياة ،والنفس بالصفاء والتفاؤل. وما أجمله حين يتمثل بالسماء مع الغيم الأبيض وأشعة الشمس منظر لا يمكن أن تفوته إن كنت محب التصوير ،أو التأمل ،أو الإبداع ،أو مهما كانت وجهتك. الفن المختلف عندي عندما يمتزج بهذا اللون وفق مستوياته الزاهية التي تبعث بالأنفاس الهدوء. متعة الألوان تكمن في دمجها ومزجها ؛ولكن الأكثر متعة تميزها بلون منفرد. نلمس الأثر الإيجابي والنفسي في نتائج العلاج بالرسم والألوان التي يستخدمها الأشخاص تعبيراً منهم عن مشاعرهم وافكارهم فهو متنفس صحي لمن أراد الشفاء من خلالها.
هذه دعوة مني للقراء الاعزاء بمراجعة نوافذهم الملونة ومشاركة تجاربهم بالألوان هنا ،لربما نرى صديقاً مقرب من الألوان لم ندركه بعد ،أو نافذة مشرقة لم نطل عليها بعد.
* كاتبة , عضوة في رابطة كاتبات الغد