حوار مع كتاب
بقلم : د. خالد سلطان السلطان *
جلست من أجل لقائكم هذا أمام الكتاب أحاوره وأحقق معه بعدما كان هو الذي يكلمني ويحقق معي لسنوات طوال .
فرأيت الكتاب صريح وشفاف جدا ، فأعطاني كل هذه المعلومات والتي سأقدمها لكم بإذن الله من خلال هذا الحوار .
أولا هل تحفظون الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة " ، أظنكم تحفظونه جيدا .
فالكتاب مثل الجليس فمنه الجليس الصالح ومنه جليس السوء ، وما سأقدمه لك إنما هو من جنس النوع الأول وهو ( الجليس الصالح ) أي الكتاب الصالح والنافع وكفى به جليسا .
لما سألت الكتاب من أنت ؟ فأجابني قائلا ( أنا خزانة العلم وحافظة العقول ومستودع التاريخ ) وهذا تعريف يدخل فيه كل كتاب إلا الوحي الكتاب والسنة فتنبه حتى لا تختلط عليك العبارة .
قلت إذن أنت مركز الفوائد ، وبيت محو الأمية ، ومنزل رفع الجهل ،وقصر المعارف والعلوم ، والذي لن يخرج أحدا من منتجعك الكريم إلا بفائدة وعظة وعبرة غالبا !!
قال : صدقت .
وإن صاحبك سيزداد ثباتا على ثباته أو يزيد من علمه الناقص أو يزين ما معه من علم كامل .
فقال : صدقت .
فسألت الكتاب ماذا تقدم لأصحابك القراء ؟
فأجاب الكتاب : أنا تسلية للنفوس ، ومنور للعقول ، وأنيس لجالسي ، وسمير لساهري ، وقاطع لأوقات صاحبي بما ينفعه ، فلا يشعر من جالسني بكلل ، ولا تمر على قارئي خواطر الملل ، وذلك لأنني انقله من فكرة إلى فكرة ، ومن دليل إلى دليل ، ومن زمن إلى زمن ، فأصعد بقارئي إلى السماء أحيانا ، وأنزل به إلى باطن الأرض أخرى ، وأجعله في بعض الأحيان معلقا بين السماء والأرض !!
قلت الله أكبر ما أعظم شأنك يا كتاب ، فالآن عرفت معنى قول الحكيم " صحبت الناس فملوني ومللتهم ، وصحبت الكتاب فما ملني ولا مللته ".
هذه المشاعر التي قالها الكتاب لا تكون إلا لمن ( كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) ، قاطعني الكتاب وقال : هل تعلم أنني اختصر لقارئ الأعمار ، وأقدم لصاحبي كثير من الأسرار والتي تكون له بمثابة العظة والاعتبار إن أدرك واعتبر .
قلت وهذه والله أكبر ، وصدق الله القائل : " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " .
يجب أن يعلم الجالس مع الكتاب بأنه يجالس صاحب الكتاب فإن لم يكن مع نفسه فمع أنفاسه ولا شك ، وهذا الذي قاله الإمام البخاري لما رأى ظهور الملل على طلابه فقال : " أهل الدنيا في دنياهم وأهل التجارة في تجارتهم وأنتم مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ".
تأمل معي أيها الحبيب حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " رواه مسلم
فلما عاش هؤلاء القوم مع كتاب الله وسنة رسوله ما بين قراءة وتدارس نالوا هذه الفضائل كلها وللعلم لا يوجد مجلس في الدنيا فيه مثل هذه الخلال إلا مجلس الكتاب .
توقفت قليلا فبادرني الكتاب بسؤال فقال : هل تعلم ما هو أثري على قارئي ؟
قلت : الله أعلم !!
فقال : إن قارئي سيكون زكي النفس ، وصاحب نظرة ثاقبة لأنه ينظر للأمور من خلال بصيرة لا مثيل لها فالله هو القائل : " قل هذه سبيلي ادع إلى الله على بصيرة " .
اضف إلى ذلك بأنه سيكون كريما وجوادا ومنفقا ليس للدنانير والريالات والدراهم فقط بل سينفق من العلوم الزاخرة والفوائد الساحرة التي تعتبر من أغلى الكنوز لمن يعرف للعلم قدره .
قلت للكتاب وأنا أحاوره : إن الناس تعيش بين شهوات وشبهات فهل لك قدرة على كسر جماح الأولى وتفتيت أمر الثانية ؟
رد الكتاب وكله ثقة فقال : بلا شك عندي من القدرة ما أكسر به جموح الأولى وأفتت به الثانية فإني أداوي الشهوات بالعظات والزواجر وبالترغيب والترهيب ، وأعالج الشبهات بالأدلة النقلية والردود العقلية وعلاجي ودوائي لا ينتفع منه إلا من تجرد للحق وأراد إصلاح نفسه ، وتذكر أخي الحبيب ما قاله المولى جل جلاله : " ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء " .
قال الكتاب : فأنا قوة أزيل الحجب واكشف الحقائق وأنير الطريق وأوسع مدارك النظر بإذن الله ومشيئته .
قلت : الله أكبر ما أعظمك يا كتاب !! إذن أنت غرض للشيطان وهدف من أهدافه بل أنت عدو لدود له ؟
رد الكتاب قائلا : أما سمعت ما قاله السلف الصالح : " عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد "
قلت : بلى
قال : ومن هنا ترى الشيطان يكسل الإنسان ويضع له العراقيل والحواجز ليصده عني .
قلت : صدق الله وهو القائل : " يوم يعض الظالم على يديه ، يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ".
قال الكتاب : أخي العزيز لا تطيل على الناس الكلام واختم بهذه وقل لسامعيك ، الكتاب صدقتك الجارية في حياتك وبعد مماتك فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم .
وقل لهم أن الكتاب خير ميراث تتركه لمن بعدك واستشهد بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حيان .
واختم أنا بقولي : اجعل للكتاب نصيبا من وقتك ، وجزءًا من مالك ، وحظا من غرف بيتك ، واجمع له أحبابك ، وحبب فيه الآخرين .
أخواني باسمك أشكر الكتاب عل سعة صدره وعلى بديع ردوده وعلى تحمله أسئلة حواري الكثيرة والتي كنت أود أن تكون أوسع من ذلك ، وأشكركم على طيب المتابعة لي ولصديقي الكتاب .
*دكتوراه بالعقيدة ، دكتوراه بالإعلام ، مدير عام قناة المعالي الفضائية