المقاومة بالكتابة
قراءة في نصوص (شفاه تخرس الظلام) للكاتبة: نورة المعطاني
قراءة: سـاعـد الـخـمـيـســي
في أولى اصداراتها الأدبية تتمثل دور الكتابة كونها فعلا يمارسه المبدع ثورة على الراهن السلبي، تتوجه الكاتبة نورة المعطاني في كتابها الصادر عن دار الرائدية للنشر والتوزيع عام 1438هـ المعنون بـ: (شفاه تخرس الظلام) ، إلى الوجهة الأخرى، الوجهة المجابهة للذات بكل أحوالها وأحلامها، وذلك عبر ثمانين نصا وقعت في 96 صفحة.
ومنذ العتبة الأولى؛ عتبة العنوان (شفاه تخرس الظلام) تواجهنا فاعلية (الفعل/تخرس) واقعة بين اسمين، هذان الاسمان يمثلان طرفي اللعبة الإبداعية التي ستعبر عنها نصوص المجموعة. ولعلنا نتصور المحمولات الرمزية التي تأتي من تشكيل جملة العنوان كالتالي:
..........................
...........................
فـ شفاه الأنثى ستمارس غوايتها عندما يرزح واقعها الراهن الذي (تجهضُ الكلماتِ على الشفاه!) و تحجم عن الكلام المنطوق لاجئة إلى غواية الكتابة (فكلُ الأوقاتِ مواقيتٌ للغواية!) بالنسبة إليها، و سيتعود قلمها (على قرعِ كؤوسِ الغواية(! ومبتدأ تلك المناورة التي ستخرس بها الظلام هو زعمها:
لستُ سِوى
امرأةٍ ..
أوقدتْ الشموعَ في ليلةٍ
تراقصُ بها القمرَ
على عواءِ الريح..!
هكذا يجيء ملفوظ أولى نصوصها كاشفا عن قدر من حيادها واستسلامها، فلا شيء يحيطها سوى القمر وعواء الريح، لتستدرج بتلك الوحدة الطرف الآخر إلى ميدان النصوص، إلى ماستسهم به الكتابة من محوٍ لظلام الآخر/الرجل وهيمنته وادعاءاته التي تطوق ذاتية الأنثى وتكبل كياناتها الفسيحة عن الانطلاق، وتزج بها في معجم من القيود الذي تعج بها متون النصوص مثل: (أطلال الرحيل - أغلال مكدسة - ليل الغياب..إلخ).
تلك الكلمات والتركيبات التي نجدها مبثوثة في نصوصها، تحاور بها واقعها المتشكل داخل دائرة من الليل المظلم، ولعل في تكرار مفردات الليل بصيغ المختلفة حسبما تقتضيه طبيعة النصوص ما يبرهن على سيطرة الظلام وظلمه للذات الكاتبة، حيث تكاد تطوق مفردة (ليل) كامل المجموعة حسب التصور الآتي: (وتظل أطايفك تطرق ليلي - بعد عتمة ليلك الواهم - لفظه كل ليلة خارج ذاكرتها..إلخ).
إن هذا الإلحاح لثيمة الليل في عدد من النصوص جاء ليمثل في النهاية القضية الكبرى التي دفعتها إلى المقاومة من خلال الكتابة، وهي بفعلها الكتابي تتمرد على سيطرة الظلام من حولها محملة الكلمة الأدبية مسؤوليتها في بث النور، وفي أمانة اللسان عند إحقاق الحق وإزهاق الباطل الذي ألقاه عليها بوصفه الصوت الأعلى كـ رجل في مجتمع ذكوري لا تسنح أعرافه بالحياد لصوت الأنثى كطرف مكافئ للرجل/ الآخر، فما كان منها إلا أن تقف أمام هذا القمع بـ: (أعرت أصابعي بعض ثرثرة لساني) لتجد منفذها الوحيد في (القلم المسنون) ما تصبو إليه من الـ (جنون) عندما يفسح لها بحبره (ممالك الدهشة) وينتشلها (من مواطن الاستغراب) التي تكالبت عليها ويوصل صوت احتجاجها على الزور: (ستلفظ الأرض بأمر ربها/أحاديث إفكك المبتور! - نسيت حين غادرت
أن تأخذ معك - بقية وعود مهترئة)
وبعد هذا الكشف عن زيف الآخر، وفضح لسانه وجنانه، تعود إلى ما يعضد مسؤوليتها والتزامها مبررة انتهاكها للظلام حين لجأت إلى قلم يكتب نور الحقيقة عندما تقول:
..إن غفرت لك
سيحاكمني قلبي
تلك المسؤولية الأدبية المستمرة في ملاحقة الظلام إلى أن أشرقت الأرض بنور المقاومة من خلال صور حركية حافلة بما تحويه من المناضلة والقتال جعلت: (أرضك سجل معارك.. وعلى حرابك أوتاد المشانق! / ..ومن الليل جياد جامحة.. كتلك الليلة! تستفز بحوافرها مدن الأرق..) صور لا تتوقف عن الكر والفر حتى (أصابَ أحدَهما شيءٌ من الهطلِ و الآخر ..قدَّ من حجرٍ!) ذلك هو المصير النهائي بين طرفي الحياة، بين الذات والآخر، بين النور والظلام.
ولعل تلك النهاية جاءت متوازية ومتجانسة مع المعالم الأولى لمجموعة (شفاه تخرس الظلام) لتضعنا الكاتبة أمام الكيفيات الكتابية التي تقاوم بها واقع المرأة في مجتمع يغلب عليه الانتصار للرجل.