إيحاءات يغلب عليها الوهم
بقلم الأستاذ / سامي بن أحمد الجاسم *
كرم حاتم انتهى ، لأن حاتم أصبح رواية تاريخ نتناقلها ، وأيام الارتواء غدت ظمأ ، لأن الجفاف سرى في الجسد بأكمله ، وبقي الأمل حلم نراه في منام فقط ، لا يتجسد في واقعنا أبداً .
أقبل الشح وهو يتبختر ، وكأنه يغيظنا ويتفاخر بأن الوجود أصبح له وحده دون سواه ، إنه يريد لفت انتباهنا أن لذة الأيام الماضية لم تكن سوى مجرد إغفاءة كان زمنها لحظات وأنتهت .
إن الشح جعلني أدرك أن المغادرين تفوق عددهم على القادمين ، وكأن الهروب أصبح هو الصراحة الحقيقية التي ينطق بها كل المغادرين ، الذين تجاهلوا وجود أشياءهم الصغيرة ، لأنهم أرادوا أن يقولوا أنه لا قيمة لوجود الأشياء بدون وجود أصحابها ، حتى الإحساس بفقد الناس أراه اليوم هاجسي وحدي ، وكأن يفرحهم فقدي .
تبحثون عنهم فتجدون أماكنهم في جسدي ، وتبحثون عني بينهم وبعد عناء تجدوني ورقة بالية في دفترهم القديم .
حسدت أعينهم اخضراري ، فأصبح سواد ، وها أنا اعيش بالسواد الذي رغبت به أعين الناس التي لا يرضيها شيء.
لا أنكر حسرتي لأني أعيش إيحاءات يغلب عليها الوهم ، وهذا الوهم يمزجها بأمنيات كاذبة ، بعد أن كنت أحس بوجود حقيقي يصنع التوهج في حياتي .
والآن !!! إين هذا التوهج ؟ أني لا اتحسسه أراه انطفأ واكتفى بالقاع والفرجة .
كنا نقلب الأشياء بنعومة أطراف أصابعنا ، أما الآن فقد تحولت الأصابع إلى مسامير تجرح الأشياء وتعذبها ، وفجأة أصبحت رغبتنا الملحة هي بتر الأصابع ومسح كل الذكريات .