أسرى التعنيف
بقلم الاخصائية النفسية / خلود الحارثي*
لا يمكن لمقالي هذا أن يتطرق للخيال أو ابراز الجوانب البلاغية في سرد حقائق تم معايشتها خلال ظهور بعض الحالات التي تصعدت واجهة الرأي العام كمحور فاصل للوقوف على مثل تلك القضايا البارزة في الميدان الاجتماعي ،والتي كشفتها شبكات التواصل الاجتماعي بمساحات شاسعة من عرض الأدلة ،ووصولاً لسيل الانتقادات والتحليلات الفردية والجماعية وسرعة التجاوب والتواصل مع افراد المجتمع مع الجهات المعنية.
ولكن لنقف قليلاً خلف ما يحدث من حالات العنف الأسري وقت حدوثها وظهورها فنرى المجتمع السعودي بالأخص يستنكرها ويستهجن هذا الفعل ،ويرى بعدم تبريره ،مما يجعلنا نرى أنها حالات قد تبدو قليلة إلى متوسطة المستوى بحصولها داخل المجتمع ،ولكن هذا ما يظهر لنا في وسائل التواصل وربما غائبة النظر بقية الحالات التي ربما تعج بها اقسام الطوارئ أو المستشفيات الخاصة لتغطية مثل تلك الحالات وصولاً للمدارس بما يتعلق بجانب العنف الذي قد يمارس على الابناء! وجميعها تتحدث عن مستوى بارز لرؤية العنف بتعدد العوامل والأسباب التي يتم طي قيد بعض الملفات بناء عليها.
أنا على ثقة بالتحركات التي تقوم بها قطاعات الدولة لإتاحة الدعم والمساندة لكافة افراد المجتمع ،ولكن عليها أن تظافر جهودها لوضع قوانين صارمة لا يحيد عنها أي فرد لحماية المرأة والطفل من العنف. نجد بعض النساء كضحايا لصبرهن ولأجل اطفالهن خشية أن يحرمن منهم لذا خطت الدولة في هذا الأمر شيء حسن بإسناد الحضانة للأم ،ولكنها تحتاج أكثر من ذلك لتكون بمأمن في مثل تلك القضايا المشمولة بالعنف الأسري على أن هناك أسباب أخرى تقع فيها النساء أسرى لهذا العنف كونها يتيمة أو بلا عائلة مساندة مما يتيح لزوجها أن يستغل هذا الضعف لممارسة قوته عليها ولم يدرك فضل الإحسان لليتيم كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما". رواه البخاري ،أو تعيش هذا العنف إثر نوبات لمريض نفسي أو لمدمن لا يستطيع ضبط نفسه وتكون قادرة على التعامل معه في حالته الواعية بينما لا تقوى أن تخلص نفسها وقت أن يغيب عنه وعيه وتصبر في ذلك على أمل أن يصحو ويتغير بينما قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فيستوجب لتلك الحالات تدخلات عديدة وتكون نابعة من داخل الأسرة لأجل التغيير ،ومن الأسباب التي يرجحها البعض كون الرجل جاهل بمسئوليته والتي قد نشأ في تلك الوحشية ليرى أنه أمر طبيعي ويتفاخر به حيث أن تلك السلوكيات قد تلقى دعماً في جماعته كعادات أو ممارسات اعتقاديه بصحتها.
فمن ضمن الحدود التي تفرضها بعض الجماعات على النساء كونهن صابرات على كل الأذى ،وأن السابقات منهن تعرضن لهذا وصبرن وكبر الابناء وعاشوا بسلام وكأنها روايات تروى لتثبيطهن وكسر كل تلك الحقوق التي منحها لنا الإسلام وشرفنا بها ،ولكن لسوء التطبيق والجهل بالمعنى الحقيقي للتعاليم أدى لهذا التزايد المعرفي المغلوط ليجعل من تخرج عنه كأنها اذنبت وخالفت سير الجماعة ،ولم يستوصوا بوصية النبي حين قال: "واستوصوا بالنساء خيراً" ،بل لم يهتدوا بقوله: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
لذا من المفترض على الجميع ولكل شخص واعي داخل جماعته أن يتناقش بمحور معرفي صحيح حول تلك السلوكيات والافكار التي تنمي هذا العنف ،لربما لن يستمع أو يهتدي لمنطقه سوى شخص واحد ،ولكن لنتخيل معاً لو كل فرد منا قام بتوعية من حوله عن العنف الأسري وكيفية معالجته بعدد من الطرق كاستشارة شخص حكيم ،أو مختص أسري ،أو بمحاولة طلب الدعم من لجان الصحة. هنا كأننا نلعب الدور الوقائي ،وإن كان غير واضح المعالم لنساهم فقط مرة ،ومرتين حتى نصل لكافة المبتغى في التوعية والصحة الأسرية والاجتماعية.
لتوعي المرأة شقيقتها المرأة بأن الصبر يكون في أمور مستوجبة لأن الصبر فيها لزاماً بينما إن كانت تعاني من هذا العنف الأسري لتبحث معها عن طوق النجاة خطوة بخطوة تأخذ بيدها بتلك الأوضاع فإن كان الأمر عسير عليها والأذى واقع فلتتحرك وتبلغ الجهات المختصة بكل وسائلها التي تستطيع الوصول إليها فلا تصمت على الضربة الأولى حتى لا تقضي عليها الثانية.
وعلى الجهات المختصة بتفعيل دورها بكل المستويات إن كان مدمن ،أو جاهل ،أو مريض عليها بتعهده وحجزه وتكفلها بعلاجه ببرنامج نفسي اجتماعي ،وإعادة تأهيله من جديد لنكسب شخصاً ايجابياً وننقذ بيتاً من الانهيار بدلاً من مجرم يتم اطلاقه بعد تعهده ليعاود ممارساته على ضحاياه.
وأن يتم توفير الدعم الكامل لحماية المرأة واطفالها بإعانات سكنية ومادية حتى انتهاء القضية ومتابعتها على مراحل ،وإن كان هناك ما لا يمكن انقاذه بالأسرة بعد العنف وتطبيق برامج العلاج فالتسريح بالإحسان دون ضرر أو ضرار لكافة الأطراف وبرضاهما لنكون لطفاء فكيف للشريعة السمحة أن يستدل بها للقسوة على المرأة ويتنادى غالبيتهم بها دون إدراك لحقيقة التفاسير! ،هل من المعقول ذلك!؟ وسيد البشر يقول: "رفقاً بالقوارير" فمن وصفنا بتلك الرقة والعذوبة وصفاً أراه محكم لكل مكنونات المرأة وصفاتها وأفضلها على الإطلاق فرسولنا الكريم هو خير من نتبع هداه فقد جاء بالقرآن وأحسن بيانه للناس إلى قيام الساعة.
* كاتبة، عضوة رابطة كاتبات الغد